أهمية وحدة كنيسة المشرق (البعد الثقافي)

المطران حبيب هرمز

مقدمة

الوحدة سر، اي حقيقة عميقة لا يدركها كل احد. هي تغمرنا بعطاياها لأنها من الله الواحد. وعيش الوحدة هو العيش في شركة مع الآب السماوي. فأن نمتلئ بروح الوحدة يعني الإمتلاء من نفس الروح الذي نفخه المسيح على التلاميذ.

لقد اختبرنا الإنقسامات وعشنا الحزن بسببها فلماذا لا نتحد؟ نحن مجروحون بسبب الإنقسامات، وجروحنا تنزف فلماذا لا نكون واقعيين. اليست قطعة الخبز التي مسكها يسوع واحدة، اليست علامة انسانية لوحدتنا مثلما هو علامة الهية. والكنيسة كمؤسسة انسانية من جانب والهية من جانب آخر يجب ان تتحد ولا تعيش الإزدواجية وتفقد المصداقية امام الشعوب. لذلك الوحدة تجعل الكنيسة في قلب الله. 

الوحدة انواع. والوحدة الثقافية كجزء للوحدة بين الكنيستين هي للإيمان بضرورتها استنادا الى الأسس الفكرية. فكنسيا هي رغبة المسيح (ليكونوا واحدا) يو 17، وثقافيا (ثقافتنا واحدة).

إن نشدان الوحدة هي حقيقة كامنة وربما غير معلنة لدى العديد من ابناء كنيستنا لأهميتها القصوى وكهوية لهم وكدعم لوجودهم في الشرق الأوسط والخارج. هي غير معلنة للشعور بالإحباط بسبب لامبالاتنا تجاه هذا الهدف المقدس. وفي هذا المقال سأركز على موضوع الوحدة من باب الثقافة وتحديات الثقافة العلمانية وذلك لأهميتها رعوياً وروحياً.

إيمان وثقافة واحدة

نشترك جميعا في ذات الإيمان المسيحي كما كان اباؤنا واجدانا الكلدوآشوريين منذ فجر المسيحية. لقد استجابوا لدعوة تلاميذ المسيح وعمذوا الثقافة الحاملة لإرث حضارات وادي الرافدين منذ ادواتها الأولى في سومر وبابل ونينوى.

الدين المسيحي في حياتنا جميعا نحن المشرقيون هو معجون بثقافتنا ذات الجذور القديمة جدا. واستطاع آباؤنا بجدارة انجلة الثقافة الكلدانية والآشورية. وممارساتنا الثقافية هي انسانية تسعى للتسامي والوصول الى ذلك الهدف المقدس (ليأت ملكوت الله) وهو فعل الخير وتلمس الجمال والسعي الى الحقيقة اينما كنّا وبمحبة لا شروط لها.

نحن الذين لازلنا في ما بين النهرين نستخدم نفس الادوات الثقافية وعلى الأرض ذاتها مثل اللغة والتقليد المستلم من آباء الكنيسة tradition وتراثنا الفني والأدبي والفولكلوري (مثل الملابس والموسيقى والألحان والأزياء واشكال الطعام والأمثال وغيرها). كما ولدينا اداة ثقافية مهمة هي الآداب والتي يتم التعبير عنها من خلال القيم values & morals والعادات الإيجابيةHabits . من هنا الوحدة مهمة ليسهل علينا العمل في هذا الإتجاه وتسهيل رقينا على كافة الأصعدة.

الفائدة الرعوية والروحية

المهاجرون اليوم يواجهون الإلحاد بسبب علمنة الحياة secularismذات الطابع المادي الفقير بقيم الأنسنة materialism. انهم بحاجة الى الالتقاء ليتجذروا في ثقافتهم القومية والدينية والإيمانية وليكونوا مبدعين وخلاقين اينما هم. من خلال العمل الوحدوي يتقوى دور الثقافة المشرقية في حياتهم وتساعدهم للمزيد من اللقاءات الراعوية وفي كافة الأوساط الإجتماعية والسياسية. ومثلما وصل اجدادنا الى الصين شرقا وابدعوا في مختلف المجالات تستطيع جماعاتنا في اقصى الغرب والشمال والجنوب ايضا ان تكون مصدر اشعاع حضاري بناء.

إن من ثمار هذا العمل الوحدوي رعاية افضل لعناصر ليتورجيتنا الكنسية المحبوبة من قبل الجميع والتي نحتفل بها يومياً. هذه الليتورجيا حفضت رموزا ثقافية لشعبنا حيث يعتز بأن يتسمى بأسماء مثل مار افرام وهو اب عظيم لكل الكنائس المشرقية وللكنيسة الجامعة، ومار شمعون برصباعي رمز الشهادة لكنيستنا بشطريها. فالوحدة ستكون عامل مساعد في الإهتمام الأكبر بروحانياتنا وبلغتنا والحاننا.

نحن لدينا رموزنا والتي مضى على الإهتمام بها الاف السنين ودخلت في الكتاب المقدس والتراث المشرقي. هذه الرموز اليوم تدعونا الى اعلانها. والجيل الجديد في الكنيستين يجهل القسم الكبير منها خصوصا في بلاد المهجر حيث هناك اهتمام كبير بالرموز كونها تشكل مظهراً حضارياً جميلا وغنيا يضاف الى ثمار الحضارات الأخرى.

ولأن العديد من ابناء الكنيسة غير متفائلين من مسألة الوحدة، فالوحدة الثقافية قد تكون محفزا ومنطلقا للوحدة الشاملة، واي ثقافة ضد الوحدة هي شكل من اشكال ثقافة الموت لأن الإهتمام بالثقافة وتوحيدها سيقوي الرغبة في الحياة لدى خورناتنا وفي كل نشاطاتنا.

في كل تجمع ثقافي، المهاجرون بحاجة الى شبكات معلوماتية تقوي معرفتهم بجذورهم. والوحدة الثقافية ستقوي هذه الشبكات وتزيدها انتشارا، وبالتالي ستقوي الحياة المجتمعية. هذه الوحدة ستخفف من ضرر الحياة الفردية التي يعاني منها المهاجرين وستعزز لديهم الرغبة في الحياة الفعالة وترك اليأس. سوف لن يكون هناك داعي للتذمر او التشكي من افرازات الإنقسامات بل ستفتح باب للرجاء. انها مصدر قوة لخورناتنا وللمؤسسات الإجتماعية وبالضد من المؤسسات الداعمة لثقافة الموت في الغرب والتي تؤثر على جيلنا الجديد. فابناء كنيسة المشرق عاشوا الحرية بالمسيح واحبوه وجعلوه حيا لألفي سنة، فكم يجدر ان يديموا هذه الروحانية العظيمة في عملهم وابداعاتهم واعلان تراثنا الروحي والفكري للعالم. ثم ان الوحدة الثقافية ستساهم في القضاء على الأمية لأن غالبية شعبنا لا يعرف القراءة والكتابة بلغة الآباء والأجداد ذات الجذور الآرامية.

كلمة اخيرة

ان هذا الهدف يتطلب رفض التعصب والإنغلاق والتكبر وتبني روحانية العمل الجماعي. نحن بحاجة الى تشجيع الأدوات الثقافية المذكورة اعلاه وتنشيط الإحتفالات باعياد قديسينا والبارزين من شعبنا (الشهداء مثلا)، ونشر الوعي بتاريخنا وادابنا.

الإنقسام الحالي هو علامة ضعف الوعي والإرادة لدى ابناء الكنيسة ككل. هو رفض قراءة علامات الأزمنة. انه بإختصار ضعف في الغيرة على الإنجيل وحضارة الأم.