الزواج آفاق وتحديات
ممّا لا شكّ فيه أنَّ الدافع لأيِّ عمل هو أحد أسباب فشله أو نجاحه، فهو يُسيطر على عقلك وقلبك، ويُحدِّد أولويّاتك وإهتماماتك. إنَّه المحرِّك الأساسيّ لكلِّ التضحيات، ومن دونه لا يشعر المرء بالرغبة في الإستمرار. وهكذا في الزواج أيضًا؛ فالدافع الخاطئ يُنتج التزامًا ضعيفًا، أمّا الدافع الصحيح، فيُنتج زواجًا مباركًا.
إنّ معظم الذين يتزوّجون بدافع الحبّ والغرام فقط، من دون الإلتفات إلى بعض النواحي الأخرى المهِمَّة، وبعضهم القليل يتزوج لدوافع أخرى كالحاجة الجسديّة، أو الواجب العائليّ، أو المصلحة الماديّة، أو المركز الإجتماعيّ، أو الهروب من واقع سيء، أو غيرها. هذه كلّها دوافع هشَّة لا تخدم طويلاً. وقد تسأل نفسك: “الآن، وبعد أن مرّت سنوات وإكتشفت أنّني بَنَيتُ زواجي على أساس ضعيف أو خاطئ، ما العمل؟ “يجب أن تواجه الواقع بجرأة، وتُصحِّح الخطأ، وهذا يكون عبر الخطوات التالية:
أولاً: دَع فكرة الطّلاق جانبًا. مكتوب: “الله يَكرَه الطَّلاق” (ملاخي2/16). لقد جمع الله الاثنين في الزواج ليكونا معًا في السّرّاء والضّرّاء، في الصّحّة والمرض، في الفقر والغِنى، وفي كلِّ الظروف والأحوال “مِن أَجلِ هذا يَترُكُ الرَّجُل أباهُ وأمَّه ويَلتَصِق بِامرَأَتِه، ويَكونُ الاثْنان جَسدًا واحِدًا. إذًا لَيسا بَعد اثْنَين بَلْ جَسَد واحِد. فالَّذي جَمَعَه الله لا يُفَرِّقه إنسان” (متى19/5-6). لذا، لا تفكّر في الطّلاق لأنَّه ليس حلاًّ، بل هو هروب سهل من مسؤوليّة البنيان الشاقّة.
ثانيًا: أنظر إلى المستقبل وأترك الماضي. مهما كان الماضي، مهما كان هدفك من زواجك، سواء أكان صحيحًا أم خاطئًا، تذكّر أنَّ الله يهمّه حاضرك ومستقبلك أكثر من ماضيك “نِهايَة أمرٍ خَيْر مِن بِدايَتِه” (جامعة 7: 8). كم من زواج بدأ بحبٍّ كبير، لكنَّه إنتهى نهاية مأساويّة. لذا، يعلّمنا الرّسول بولس: “إذْ أنا أَنْسى ما هوَ وراء وأَتَقدَّم إلى ما هو قُدّام” (فيلبّي3/13). إلهنا إله الأمل والمستقبل. هو إله يصفح عن الماضي، ويُساعد خائفيه في حاضرهم وفي طريقهم نحو المستقبل.
ثالثًا: صَحِّح مفهومك وهدفك. إنَّ تصحيح أيّ خطأ يبدأ بالذّهن. المفهوم الصحيح يمنعك من إرتكاب الأخطاء، وهو يُحرِّر عاطفتك وإرادتك. إنَّ الفهم الصحيح للزواج يتوقّف على مؤسِّسِه وهو: الله. يجب أن نفهم قصد الله من الزواج لنُصحِّح دوافعنا وأهدافنا. إنَّ غاية الزواج هي الشريك الآخر وخدمته، وليس النفس وخدمتها. والدوافع الخاطئة خلف زواجك لديها قاسم مشترك واحد: الأنانيّة، وكلّها تهدف إلى خدمة الذّات فقط من دون النظر إلى منفعة الآخر. عندما خلق الربُّ حوّاء لآدم قال: “لَيسَ جيِّدًا أنْ يَكونَ آدم وَحده، فَأَصنَع مُعينًا نَظيرُه” (تكوين 2/18). أي أنَّ الواحد وُجد ليُعين الآخر، ليتشارك معه ويُسعده. هذا هو هدف الله للإنسان من الزواج. هذا الزواج الذي يحيا فيه كلُّ شريك لشريكه ويعيشان معًا لمجد الله.
رابعًا: اإقتدِ بالمسيح الذي “قَد جاءَ لا ليُخدَم بَلْ ليَخدُم ولَيَبذل نَفسَه فِديَةً عن كثيرين”. لقد قدّم المسيح (العريس)، بعلاقته بالكنيسة (العروس)، المثال لكلِّ زواج. المسيح أحبّ الكنيسة “وأَسلَمَ نَفسَه لأجْلِها”. لقد علّمنا المسيح المحبّة الحقيقيّة الّتي تُضحّي من أجل المحبوب، المحبة التي تحتمل وتصبر، والتي لا تطلب ما لنفسها. فالمحبّة وحدها تدفع المرأة إلى الخضوع لزوجها كما للربِّ، لأنَّ حاجة الرجل القصوى هي الإحترام، وهي وحدها تدفع الرجال إلى محبَّة نسائهم كأنفسهم، لأنَّ حاجة المرأة القصوى هي المحبَّة (أفسس5/28، 33).
خامسًا: إعرف أنَّ التغيير يتطلَّب وقتًا وجهدًا. نحن اليوم نعيش في عصر الكمبيوتر حيث نحصل على كلِّ الأمور “بكبسة زرّ”. لكن، مع الأسف، إنَّ الحياة ليست بهذه البساطة، فالنفس البشريَّة هي من أكثر الأمور تعقيدًا. لذا، فالتغيير الشّخصيّ يتطلَّب نضالاً وجهادًا مستمرَّين، فلا تفقد الأمل بسرعة ولا تيأس. تعلَّم الصَّبر، وإعمل بجهدٍ ورجاء لتمتين بيتك وتحسين علاقتك بشريك حياتك. لِيَكُن لديك التَّصميم والعزم على عمل مشيئة الله فتنعم ببيت سعيد.
سادسًا: إستَعِن بالربِّ. قد تكون مشاكلك كبيرة ومعقّدة، لكن تأكّد من أنّ الله يمدّك بالقوّة اللاّزمة. يقول الرّسول بولس: “أَستَطيعُ كلَّ شَيء في المسيح الَّذي يُقوّيني” (فيلبّي 4/13). الجأ إلى الربِّ. صَلِّ وأدرُس الكتاب المقدّس وما يُعلّمه حول الزواج، فلديه الكثير ليُعلِّمك. ولا مانع من أن تستعين بمُرشد ناضج وموثوق به، لديه المعرفة والخبرة والإيمان ليوجِّهك أنت وشريكك توجيهًا صحيحًا.
سابعًا: إبدأ بنفسك أوّلاً. إبدأ الآن. المشكلة أنَّ الإنسان غالبًا ما يرى “القشّة” في عين شريكه ولا يرى “الخشبة” التي في عينه. إنَّ الأنانيَّة تُركّز على الإمتيازات الشخصيّة، بينما الغَيْريّة تولِّد نكران الذّات وتحمُّل المسؤوليَّة تجاه الآخر. فكِّر في مسؤوليَّتك نحو شريكك، أين قصَّرت تجاهه؟ ما هي حاجة شريكك؟ هل تعرفها بالفعل؟ هل سبق لك وإفتكرت في ما يجب أن تعمل له لتُسعِده وتجعل حياته معك مباركة؟ إمتَحِن نفسك بصدق، لم يفت الأوان لتُحدِث فَرْقًا وتغييرًا.
ربّما تزوَّجت للدافع الخاطئ، أو أَضعتَ الدافع الصحيح في الطريق. لكن، حتمًا، يجب أن تستمرَّ، الآن وفي المستقبل، بدافعٍ صحيح. ضع هدف زواجك تمجيد الله وعمل مشيئته. إعمَل لسعادة شريكك، تسعد أنت. وتذكَّر، أنّ “الله هوَ العامِل فيكُم أنْ تُريدوا وأنْ تَعمَلوا مِن أَجْلِ المسَرَّة” (فيليبي2/13).
بقلم الأب سالم ساكا