الصمت والصلاة لدى الروحاني المشرقي يوحنا الدالياثي

المطران حبيب هرمز

هذه فرصة للتأمل في الصمت وعلاقته بالصلاة ما دمنا في خضم هجمة صوتية وصورية للسيطرة على حواسنا وجعلنا مجرد مستقبلين لما تبثه محطات الدعاية الى حد صرنا في خطر ان نفقد توازننا ونتشتت ضائعين لأن مقود حياتنا اضحى بيد صناع البرامج.

نحن في عالم اليوم نادرا ما نصمت. ولكن ان صمتنا فالله يتكلم لأنه يصمت حيث يحترمنا ونحن نتكلم. فمن الضروري الإهتمام بالصمت للدخول في عالم الصلاة.

يوحنا الدالياثي هو روحاني مشرقي مشهور من القرن الثامن الميلادي في شمال العراق. له اقوال كثيرة عن الصمت والصلاة، فحسبه ان الصمت والسكوت هو الحد بين هذا العالم وذاك.

يقول عن نفسه امام الله: “عليّ ان اصمت الآن، لأنه ليس من يقدر ان يخبر عن رؤاك، يا ناظر الكل”، ” لنكرم كلمتنا بالصمت ولنعانق سرنا بالإنذهال” وان “الذين خبروا حب الله وتذوقوه، لا يخبرون عنه، ويعيشون وسط الناس صامتين”، اما من يتكلم كثيرا فإنه “يبتعد عن خالقه”. لذلك ينصحنا ويقول “نظم حواسك ايها الأخ، لأن موت الإنسان الباطني يدخل بواسطتها، تنبه الى الحفظ، ها انت قائم في باب الكمال””على عيني الإنسان ألا تنظر هنا وهناك، بل ليكن ناظراً أمامه فقط”

ولأهمية الفطنة ذات العلاقة بالصمت يقول الدالياثي: “الفطنة هي الأفضل بين الفضائل كلها” والصمت ليس فقط من الكلام الزائد بل من الأفكار الباطلة فيقول: “طوبى لمن تُكره افكاره على الصمت، ففيه يفيض الروح انهار الحياة لتطيبه”.

ويشير الدالياثي الى اهمية الصمت لمشاهدة الله في الذات فيقول: “أنظر الى الله في ذاتك. أنظر الى نفسك وأبصره فيها، في ذاتك، متحدا بك كإتحاد النار بالحديد في داخل الكور كالرطوبة في جسمك”. ” وعندما تنظر اليه وهو متحد بك هكذا، يسبي ذاتك من أمام ذهنك لكي يتراءى وحده لذهنك، إذا كانت قوته الرائية قادرة على ذلك. وإن لم تستطع فليبق في الذكر الدائم”. ” هكذا يكون اذن الإنسان مجتمعا في ذاته بذكر الله وبالتحذق به. هذا ما يسميه آباؤنا حفظ الذهن. ولا شيء عال مثله بين الفضائل والأعمال كلها”.

الصمت يقودنا الى الصلاة. يقول الدالياثي ان “الصلاة الدائمة هي الذهول بالله، وهذا مختصر كلامنا”. “الصلاة الدائمة ليست حركة الشفاه وكثرة الكلام وتركيب الجمل، بل انها تمجيد في القلب يطلع دوما وفي كل موضع وفي كل زمن وبغير انقطاع”. “بالصلاة يستطيع الذهن ان يرى مجد الله في غمامة نور عظمته داخل بلد الكائنات الروحانية، بعجب وصمت اوقفهما الدهش عن كل حركة. وينذهل من جمال أشعة النور الوفيرة الإشراقات التي تطلع عليه، فترمي العالم في العجب من رؤيتها، وهي حياة الكائنات الروحانية وتنعمها، فتسكت حركاتها النارية بجمال عظمتها”،”النفس تستمع في داخلها الى الأسرار التي يعلنها الروح القدس”.[1]


[1] هذه النصوص اقتبست من مقالاته التي ترجمها من الآرامية المرحوم الأب روبيرت الكرملي ثم ترجمت الى العربية في لبنان.