يعتبر انشاء مدرسة ابتدائية أمرا عاديا لدى الكثيرين، ولكن ان تكون من قبل الكنيسة وفي الجنوب وفي هذه الظروف القاسية فإنه يتطلب جهدا مضاعفا لأسباب يعرفها القارئ العزيز. وبعد تحمل روتين ممل وبإيمان كبير برسالة الكنيسة الثقافية الروحية حصلت الأبرشية يوم الأربعاء الأول من نوفمبر 2017 على اجازة فتح مدرسة ابتدائية مختلطة. وكانت ابرشيتنا قد انجزت الجزء الأكبر من البناء بفضل شباب فرنسيين من باريس the
Fraternité en Irak فشكرا لهم.

انشاء المدارس قبل الإسلام
اهتمت ابرشيات الجنوب منذ القرون الأولى بفتح مدارس في الأديرة والكنائس. فمثلا تذكر الكتب التاريخية وجود مدارس قبل الإسلام في الحيرة وكشكر (واسط) منذ القرن الخامس. وقد استمرت الكنيسة في فتح المدارس اما تعويضا عن اغلاق البعض او لبروز اهمية دير او مركز كنسي معين. ومن هذه المدارس مدرسة دير قني (قرب العزيزية اليوم) ومدرستا ساليق وماحوزي في المدائن، ومدرسة ريما في ابرشية تحمل ذات الأسم وقد انقرضت، ومدرسة مار ماري في كرخ جدان وغيرها.

انشاء المدارس في القرون الثلاثة الأخيرة

كان هجوم المغول على العراق سنة 1258 بمثابة الضربة القاضية على الوجود المسيحي في الجنوب حيث هاجر المسيحيون نحو الشمال وتم سلب ونهب وتدمير الكنائس والأديرة.
ولكن فتح باب للرجاء في القرن السادس عشر حيث ان أول مدرسة فتحت في البصرة من قبل الآباء الكبوجيين كانت سنة 1732 بإسم مار يوسف ودامت عشرين سنة، ثم اعيد افتتاحها مع مدرسة اخرى في العمارة في عام 1899. ولكن كان الكلدان وبهمة المطران اسرائيل اودو قد فتحوا مدرسة في البصرة (بجانب كنيسة مار توما) سنة 1891 حيث بلغ عدد التلاميذ 124 تلميذاً سنة 1905. وفي ذات السنة كذلك فتحت الإرسالية البروتستانتية المهاجرة من جنوب تركيا نتيجة الإضطهادات مدرسة اخرى للتبشير الديني في البصرة. وحسب المصادر عند دخول الجيش البريطاني في مطلع الحرب العالمية الأولى كان هناك في البصرة مدرسة حيث سجل التاريخ اسم قسيس اسمه يشوع فتح مدرسة الأمريكان. اما الأرمن في البصرة فكانت لديهم مدرسة في القرن الثامن عشر ثم تم تجديدها سنة 1905.
جدير بالذكر انه كان اليهود ايضا قد قاموا بفتح مدرسة في البصرة سنة 1905، وكانت تضم هذه المدرسة 281 طالبا يهوديا و124 طالبا مسيحيا من مجموع 842 طالباً.
كما ساهمت راهبات التقدمة الدومنيكيات في موضوع فتح المدارس بعد فتح الرسالة في البصرة بدعوة من آباء الكرمل، حيث قامت الأم آديل بفتح دير يوم الثاني من شباط عام 1906، وفتحت الرسالة مدرسة ابتدائية للبنين سنة 1912 واخرى للبنات في العشار، والتي توسعت الى متوسطة ايضا سنة 1953.
في سنة 1937 وبعد انشاء كنيسة مريم العذراء في منطقة الخندق تم بناء مدرسة بابل الإبتدائية بجانبها بهمة القس يوسف كوكي، كما وقد بنى مدرسة بإسم الفيحاء في منطقة العشار سنة 1948 (أو ربما هي نفس المدرسة ولكن تغير اسمها)، هذا علما ان القس كوكي صار مطرانا للبصرة والجنوب سنة 1953. وقد طلب المطران رحمه الله مساعدة راهبات الكلدان فقدموا من بغداد ولازالوا يخدمون الى اليوم.
وتذكر المصادر انه اثناء عقد مؤتمر للكنائس الإنجيلية (حاليا هي كنيسة مشيخية) في البصرة عام 1954 حضره مختصون من البصرة والعمارة منهم القس ادون لايدنز القائم بشؤون الكنيسة الإنجيلية في العمارة. يبدو انه كان لهم مدرسة ومديرها القس جورج هالر وهي بإسم مدرسة الرجاء العالي ومعه القس دونالد ماكنيل المعلم فيها.
لم تتوفر لدينا معلومات اكثر عن مصير المدارس ولماذا اغلقت ولكن من المؤكد ان الحرب العالمية الثانية والإضطرابات السياسية كانت سببا رئيسياً. والمؤسف انه في سنة 1974 تم تأميم المدارس لذلك حرمت الكنيسة من رسالتها التربوية والتعليمية والثقافية.
اليوم في البصرة تقوم الكنائس والرهبنات (راهبات التقدمة والكلدانية والإنجيلية) بتربية حوالي 600طفل سنويا .
حاليا والمدرسة في سنتها الثالثة تربي وتعلم اكثر من 100 تلميذ ذكورا واناثا، تتطلع الى سنة افضل بعون الله بعد التخلص من تأثير وباء كورونا.
اليوم ايضا نرى العديد من المدارس منتشرة في بغداد واربيل وكركوك ودهوك والقوش اضافة الى معاهد التثقيف وكلية اللاهوت والفلسفة تشعل مشاعل التربية للآلاف من ابناء الجيل الجديد آملين ان تتطور الى مدارس ثانوية نموذجية لتفتح نوافذ رجاء للعراقيين.
ملاحظة:
المزيد من المعلومات متوفرة في كتابي عن تاريخ المسيحية في جنوب وادي الرافدين، البصرة، مطبعة العلي، 2015.
العنوان: البصرة، الطويسة: شارع المركز، خلف شركة كورك، قرب ماكسي مول.
رقم الموبايل: 07714991777

المطران حبيب هرمز
البصرة 2021