بنات العهد في كنيسة المشرق


للباحثة سوزان أشبروك هارفي من جامعة براون  بروفيدانس ، رود ايلاند
المصدر:

HUGOYE: JOURNAL OF SYRIAC STUDIES, Revisiting the Daughters of the Covenant: Women’s Choirs and Sacred Song in Ancient Syriac Christianity by Susan Ashbrook Harvey, Brown University, Department of Religious Studies, 7/2005

ت: الأب (المطران) حبيب هرمز- لندن 2010

مقدمة

كان لبنات العهد مكانة متميزة في كنيسة المشرق، ربما كان لهم خدمة فريدة في تحضير التراتيل لأهداف ليترجية. ويرجع التقليد المشرقي إنشاء هذه الجوقات من العذارى الى مار أفرام. يقدم مار  يعقوب السروجي في ميمره عن القديس أفرام هذه الجوقات كموديل مجسم ذو أهمية أخروية (إسكاتالوجية) للمجتمع بشكل كنيسة كبرى. هذا البحث يبحث في سياق ومضمون ماهية هذه الجوقات، وذلك لتقييم دور هذه الخدمة في الكنائس المشرقية القديمة، واقتراح الآثار الاجتماعية المحتملة.  بالنظر لطول البحث سأقسمه الى ثلاثة اجزاء: 1-  النساء المرتلات، 2-  النساء المعلمات، 3-  النساء المخلصات.


اعتبر الباحثين المعاصرين مؤسسة أبناء وبنات العهد كواحدة من الخصائص المعروفة في المسيحية المشرقية القديمة (أي بني وبنات قياما).  وعلى ما يبدو فإن مصدرها هو القرن الثالث الميلادي، وادارتها كانت تتطلب نذر البتولية، والفقر الطوعي، وخدمة الكاهن أو الأسقف المحلي. كان من المفترض على الأعضاء العيش منفصلين عن الأعضاء الآخرين، أو عن أسرهم. على ما يبدو، كانت المؤسسة واسعة الانتشار في الأراضي الناطقة باللغة الآرامية الشرقية والغربية، على حد سواء، مع نهاية القرن  الثالث.

نلاحظ في أوائل القرن الرابع من قراءة (اعمال شهداء الرها شمونا وكوريا)، إن بنات العهد كنّ مستهدفات بشكل خاص، مع الكهنة والشمامسة، للتعذيب والإعدام خلال اضطهاد ديقلسيانوس، وهذا يبرهن حضورهنّ الشعبي.

ويذكر كتاب (اعمال الشهداء)، بعد فترة زمنية قصيرة، تلك المعاملة المماثلة لبنات العهد  خلال اضطهاد  شابور الثاني. هذا ضمن المجموعة الأولى من البينات المكتوبة من قبل افراهاط الحكيم في سنة  337، في البينة السادسة المشهورة، حول أعضاء العهد.  إن مقالته هي موعظة طويلة موجهة بشكل خاص الى رجال تلك المجموعة حول اهمية الحفاظ على نذر البتولية، وعلى المغزى الآخروي لتلك النذور.

في القرن الخامس، ازدادت الأدلة والمراجع من خلال التشريعات القانونية، والسرد التاريخي، وأدب المواعظ، وكتابة حياة القديسين. هذا كي تشكل صورة لإدارة كنيسة من رجال ونساء،  يشتركون بنشاط في العمل الكنسي العلماني. كان هذا العمل يختلف عن حركة تطور الرهبانية. في الواقع الرهبنة لم تحل محل هذا المنصب، بل تراجعت حتى القرن العاشر، ونادرا الى العصور الوسطى.

إن المعطيات عن الجماعة لهي قليلة ومحبطة رغم كثرة المراجع. هذا لأن المؤرخين نادرا ما يذكرون المرأة، بل الرجال من ابناء العهد. كان الإهتمام الأولي من قبل افراهاط الحكيم في القرن الرابع (راجع البينة 6). هذه البينة، استهدفت من قبل رابولا في القرن الخامس، وهي الأكثر تكرارا ومذكورة في النصوص التاريخية. لذلك، لدينا القليل لفهم عمل بنات العهد.

ركزت الدراسات الحديثة على فهم طبيعة النذر آنذاك، وفهم دورهنّ في اكبر تجمع للمؤمنين. وركز باحثون آخرون، ومنهم كاتبة البحث، ركزوا على دور النساء في المؤسسة، مثل جوقات بنات العهد اثناء الصلاة الليترجية. شيء واحد نعرفه، هو أنّه، كان لهنّ مهمّة ترتيل المزامير، ومختلف الألحان الليترجية. هذه الممارسة تناقضت مثلا مع اسلوب الكنائس اليونانية واللاتينية. لقد سمحت هذه الكنائس للنساء بالترتيل كجوقات أديرة. هذا بإستثناء كاتدرائية امبروس في ميلانو، حيث استبعدت النساء من المشاركة في الجوقة. بكلمات اخرى، فإن الموسيقى المقدسة كانت من اكثر اشكال خدمة الشعب، رجالاً ونساءً، مكرسين وغير مكرسين، والمناطة ببنات العهد. سأركز هنا على الخدمة الموسيقية لبنات العهد في الفترة المتأخرة للمسيحية في كنيسة المشرق.

النساء المرتلات

إن اقدم مرجع لنا عن دور بنات العهد في الترتيل الليتورجي، يعود الى القرن الخامس، من خلال قانون لرابولا برقم 20. شمل هذا القانون المزامير والمداريش. القانون 27، يطلب منهنّ مراقبة خدمات العبادة في الكنيسة، مثل الصلوات اليومية، بالإشتراك مع المكرسين وابناء العهد. بينما منعت بقية القوانين المكرسين وابناء العهد من متابعة الخدمة لأمور التدبير المنزلي والحياكة، وتقييد الإنشطة الإجتماعية والإقتصادية لهذه النساء. القوانين 12، 15 و19 تدعو كنائس القرى والمدن الى تقديم الدعم المادي لأبناء وبنات العهد الفقراء كي يستمروا في خدمتهم.

نلاحظ تميز خدمة بنات العهد بدور لم يعطى للشماسات او الأرامل. فالأخيرات اي الأرامل، حدد لهنّ دور الصلاة في منازلهن او في الكنائس. بينما الشماسات منح لهنّ واجبا اجتماعياً، كزيارة المريضات، وارشاد الموعوظات من الإناث، ومساعدتهنّ خلال التعميذ، والمحافظة على النظام في الكنيسة.  

في ذات وقت تنظيم قوانين رابولا، اقرت قوانين من قبل المجمع ماروثا الميافرقيني سنة 410. من بينها: ترتيب الاعضاء، وتنظيم الحياة الدينية في المناطق الريفية، وتنظيم خدمة المرأة. كانت بنات العهد تحت توجيه مسؤولة منتخبة منهن، ومرسومة شمّاسة لتخدم سر المعمودية، ومنهن قارئات الكتاب المقدس بهدف ترتيل المزامير. لقد طبقت القوانين اعلاه في الكنائس المشرقية على نطاق واسع. كما وعثر على تعليمات مماثلة في القرن السادس منسوبة الى يوحنا برتيلا.

مثال عن الحالة سجلت من قبله في مجمع الأفسسي، في القرن السادس، هي للروحاني شمعون الجبلي، المتجول عند الحدود الشرقية بين الاراضي الرومانية والفارسية. كان شمعون متوحداً يحيا بين، شبه بدو، لم تكن المسيحية ظاهرة عليهم. يقوم شمعون بتبشيرهم، وتعميذهم، ويبني كنيسة قريتهم، ويؤسس نظام كنسي قانوني. كما كان يجمع الاطفال داخل الكنيسة، ويوزع هدايا لهم ويحلق شعرهم ويجعلهم ابناء وبنات العهد. عندما كانت تحتج بعض العائلات، كان يهددهم بالعقاب الالهي. كان يعلمهم الكتاب المقدس وترتيل المزامير. وبعد سنوات، كبروا هؤلاء، واستلموا مسؤولية التعليم كأبناء وبنات العهد.      

يشير الكتاب الى ترتيل البتولات للمزامير دون تعريفهم كبنات العهد. ربما كانت هناك مرونة براغماتية، أو تنوع في الممارسات الكنسية، أو مرونة كنسية وقد يعني ان ليس كل بنات العهد بتولات، او لم تكن تنذرن العزوبية طول العمر. يشير مار افرام + 373 الى جوقات النساء. ويعتقد انهنّ كنّ مكرسات كعذارى. يبدو هذا في ترتيله لأناشيد المهد رقم 4: “ليسرك يا رب إنشاد النساء المحصنات، لتكن اناشيدهن تحت تصرفك يا رب كي تحفظ عفتهم.”  

وهناك مراجع مختلفة بهذا الخصوص، منها موعظة ليعقوب السروجي (+521) حول زيارة مريم العذراء لخالتها اليصابات.  تظهر مريم وهي تحضّ جوقة النساء للترتيل: ” لتمدحه كل العذارى بعجب، لأنه المخلص العظيم يشرق منهم للعالم بأسره. ليرتفع صوت الفتيات الصغيرات بالمدح، لأنه بواحدة منهن، يجلب الرجاء للعالم.”

إن مار أفرام ويعقوب السروجي من اهم مصادرنا لفهم بنات العهد كمرتلات كنسيات. ربما حصل خلط في الأمور الأدائية، ولكن الحال استقر في القرن السادس. في نص القديس يعقوب اعلاه، يقصد التحدث بصوت مريم البتول لما قالته لخالتها. الجوقة النسائية سترتل كلماتها حسب توجيه المسؤول. فمن مار يعقوب عرفنا الكثير عن هذه الجوقات التي لم يسميها ببنات العهد. في عظته في ذكرى مار افرام، يعلن مار يعقوب، ان مار افرام اسس جوقات العذارى المكرسات. ومار يعقوب يدافع عن هذا التقليد كعمل كنسي مقدس: بمعمودية واحدة يتنقى الرجاء والنساء ويقبلون المسيح من مائدة واحدة، لذلك الكل احرار في الترتيل لمدح الله. ويزيد مار يعقوب في توبولوجية حواء – مريم، فالأولى اغلقت افواه النساء بالعار، بينما مريم فتحت ابواب المجد.

وفقاً لمار يعقوب ومار افرام، فالجوقات تأسست في الرها لتثبيت الإيمان القويم. وتبين في القرن السادس انهن اللواتي كنّ بنات العهد. في أيام مار افرام، كنَ يصلين صلاة الصباح والمساء، ويخدمون في القداديس المكرسة للقديسين والشهداء. والإثنين يتفقان على دور الجوقات في التعليم المسيحي ضد الهرطقات كمعلمات (ملبنياثا). ليس فقط تعليم اللغة، بل شرح العقائد باحترام التعليم الديني. كان مار افرام يعلم بنات العهد التراتيل المختلفة: العقائدية كالمدراش، العونياثا (الردة)، ومقاطع المزامير. وكان يضع العناوين الفرعية (الشوحلابات)، والشرح الروحي لما هو متعلق بالولادة، والعماذ، والصوم، وحياة المسيح: الآلام، والقيامة، والصعود، وتكريس الشهداء. 

بعد ذلك كان يتم تدريب بنات العهد لشرح قصة الخلاص، وطرق عبادة المسيحيين، وحياة القديسين، وطبيعة حياة الأرامل حسب تعليم الرسل (الديداسكاليا). ولكن مع القرن السادس، اعتبر مار افرام الأب المؤسس لجوقات النساء، والخدمة الموسيقية، وبنات العهد.

اكد مجمع مار كوركيس الأول في سنة 676 على الخدمة الموسيقية للنساء. نقرأ ذلك في الفقرة 9، حيث حددت عملهنّ المهم كترتيل المزامير الليتورجية (عدا في المقابر). بعد القرن السابع صار التمييز بين جماعة الشماسات وبنات العهد اصعب. في القرن التاسع، اكد كوركيس الأربيلي على احترام الجاماعات الكنسية لجوقات النساء بما يشبه تحمل بنو اسرائيل لهيمنة المصريين والبابليين: على المؤمنين ان لا ينسوا دور التواضع في التجلي الإلهي.

في العصور الوسطى، يبدو مصطلح بنات العهد مرادفاً لكلمة (راهبة). ومع ذلك، فقد كانت هناك شهادة صارمة قدمت في مخطوطة تشرح خدمة رسامة الشمامسة، حيث مصطلحات (الشمامسة) و(المرتلات) استخدم بطريقة متبادلة. ربما، قد نرى في ذلك ذاكرة طويلة الأمد لأهمية جوقات بنات العهد في الحياة الليتورجية في الجماعات الكنسية الكبيرة. لم تكن مجرد ترتيل الردات، ولا ترنيم المزامير، ولكن ارشاد الجماعة من خلال اداء الألحان المركبة في الشكل والمضمون، بهدف التعبير عن الإيمان الحق.

يتبعه الجزء الثاني والأخير