حَبَل مريم بيسوع من الروح القُدُس
حسب انجيل متى 1: 18-25
النصوص اعلاه متعلقة بنبوآت العهد القديم. فالإنجيلي متى يذكرنا بالأنبياء: اشعيا وميخا وهوشع وارميا، وبأسفار الملوك واخبار الأيام. هذا يعني أن الإنجيلي كان مطلعاً بصورة جيدة على نصوص العهد القديم. هو يشير اليها فقط لا كمن يريد البرهان، فالإيمان بيسوع لا يحتاج الى برهان. يريد متى القول ان يسوع ليس فقط موسى الجديد ولكنه عمانوئيل (الله معنا) اي الحضور الإلهي الكامل لأجل البشر. هو يكتب ليدعونا كي نؤمن كما آمنت مريم العذراء والكنيسة الأولى: إن يسوع هو المسيح المنتظر من نسل داود الموعود به. الإنجيل يدعونا الى الفرح. وهذا الفرح يتجاوب مع رغباتنا في حياة مملوءة من الحب.
البشارة هي سمة حياتنا كل لحظة. إنها حدث في حياتنا يدوم ويتجدد. وهي جواب لعطش الإنسانية الى الخلاص، والى رغباتها العميقة. ويفترض بالبشارة ان تدفعنا للبحث عن ما هو ابعد من ذلك. اي نسأل انفسنا: ماذا نفعل حيال هذه البشرى؟ الجواب انه مثلما حلت كلمة الله في مريم، كذلك كلام الله يحل فينا بواسطة نعمه.
الله يضع كلمته في قلوبنا، اي يتجاوز محدودية العقل البشري لأن العقل ليس كل شيء. فلو استندنا الى العقل دون القلب لخسرنا الكثير. ولكنه يضعها في قلوبنا لأن القلب هو مصدر الحياة ومركز شخصية الإنسان. البشر عطشى للمشاركة والسلام والحب والحنان والفرح. هذا لأن الإنسان بطبعه اجتماعي وبحاجة للآخر في حياته. وهذه الأمور لو كانت تستجاب بالعقل لما وصل العالم الى حاله الرديء اليوم حيث اللاعدالة والحروب وقتل البشر كل يوم ظلماً. ذلك لأنه لولا القيم اعلاه (اي عيش الحب واعلاء شأن الحياة) لسيطر العقل فقط فتتنافس الكبرياء والسلطة وما يثمرانه من حروب وظلم. وفي احسن الأحوال العقل يسعى الى العدالة فقط ولكن القلب يدعو الى الحب والرحمة.
لو تأملنا في بشارة الملاك ونحن صامتين مصغين مثل مريم ومار يوسف لأكتشفنا دور كلمة الله في قلوبنا. الناس اليوم جياع لا الى الخبز فقط ولكن الى الحياة الروحية، الى المعرفة المنيرة؛ المنيرة للحياة الشخصية، لإكتشاف معنى الوجود البشري. الناس لديهم القوة عندما يجمعون الأموال، ولكن ليس لديهم الضمانات رغم ثورة العقل، هم جياع للأمن والإطمئنان. فلا يعرف الشخص اليوم من اين جاء والى اين يذهب الا من خلال المسيح. لذلك الناس من حولنا حائرين تعبانين بسبب الركض اما خلف لقمة العيش او خلف الملهيات[1]. قد لا ينتبهوا الى صوت المبشر بولادة يسوع المخلص. العديد يسير في نفق مظلم دون جدوى إن لم ينتبهوا الى الحياة التي يعطيها مجاناً الكتاب المقدس. لذلك نرى في العالم ما لا يحصى من الملهيات خصوصا في وسائل الإعلام حيث تعرض للناس الاف الألعاب والقنوات الفضائية وافلام الخيال والرعب وصالات القمار لتلهي الناس فلا يفكروا بمعنى وجودهم. الناس موجودين ولكن السؤال: هل لهم وجود؟ السنا نعيش في عبث؟
لقد منح يسوع الحرية لنا، كي نحيا كإبناء لله، ويسوع اخونا وهو الله صخرتنا الذي نحتمي به ونحن نواجه قوى الظلام. لا بل لدينا دعوة لنبشر كي نور البشارة يزيل الظلام من حولنا كما قال القديس اوغسطينوس ان الظلام هو نقص في النور.
المطران حبيب هرمز
[1] اي اللهو، واللهو من كلمة (اللا هو) اي عيش الإنسان بدون هوية.