رؤيا أبينا ادم
المطران حبيب هرمز
ادناه ترجمة للفصل الثاني من الباب الخامس من كتاب المروج النزهية _ المجلد الاول للمطران يعقوب اوجين منا
ونشرت في مجلة بين النهرين سنة 1995
تقديم :
القديس اسحق الانطاكي المدعو الكبير، ولد في مدينة امد ببلاد ما بين النهرين في بداية القرن الخامس الميلادي، واقتبل التهذيب الكنسي في الرها على يد زينون تلميذ الطوباوي مار افرام. بعد ذلك انتقل الى انطاكية حيث رسم كاهنا ثم دخل احد الاديرة المجاورة، توفي سنة 491 ميلادية.
اشتهر مار اسحق في سورية وبلاد النهرين بميامره الكثيرة ذات الاسلوب الادبي الرائع والصقيل التي وضع معظمها في الكمال، على البحر السباعي. ادناه ترجمة في رؤيا لادم، تدور احداثها في الفردوس كما رواها لحواء.
نص (الرؤيا التي راها ادم في الفردوس و رواها لحواء ):
تعالي اتحدث اليك يا حواء، فيمتلئ قلبنا تسلية
سأحكي ما شاهدته، ثم نمضي الى عملنا
رأيت و كأني في حلم، وكأني في رؤيا اتطلع بين النوم واليقظة
وكنت اسمع صوت الملائكة، وطار النوم من عيني من شدة الحزن
وشاهدت نورانيين سماويين كما في الايام الاولى
اجسامهم لا تمسك، ولا تجس اجسادهم
روحانيون لبسوا بشكل الارضيين
منظرهم منير، ووجوههم مشرقة
وملابس اعضائهم تشبه اشعة الشمس
اذ يصفقون بأجنحتهم يزداد البرق في المسكونة
ويشرق منهم نور من اقصى الارض الى اقصاها
صوت المجد في السنتهم يحدث رعودا بالسماوات
كانوا يهتفون قدوس، قدوس، قدوس الاله القوي
رأيت صورة منيرة تلمع بينهم
لا تشبه (صورة) البشر ولا مثيل لها بين الملائكة
امام شخصه تفزع الطبائع الخفية والظاهرة
يقف العلويون والوسطيون والأرضيون بالخوف
حيث يؤمر العلويون بالطيران حسب ارادته
وحيثما يدير وجهه، يتجه الملائكة الى هناك
رداؤه سحابة نيرة، نار وريح مركبته
الشمس التي تسطع في الجلد، (تطفطف) بسبب اشعته
بخار خيله ضباب، غبار ارجله سحاب
صوت دواليب مركبته، يزلزل جميع الجهات
يشبه الشاب في عمره، وصبيا جميلا في منظره المشرق
بروق النار من حواليه، تفزع كل ما هو حواليه
كالقمر بإزاء الشمس، هكذا الشمس مقارنة بنوره
واللجج العميقة والخفية لا تخفى عن وهجه
يتبع
وبينما انا قائم انظر واعجب بالعظمة
خرجت مراتب العلوين. وجاؤوا يركضون امامه بصفوفهم
ففكرت كم ان ذلك النور اقوى من كل الانوار
وكم هي افضل تلك الصورة من الصور الممجدة التي شاهدت
فاقترب مني احد الملائكة واسر لي كما في لغز
هذا هو بكر الله الذي صنعت الخلائق معه
فرحت وانا حزين، ابتهجت وانا خائف
في الحلم كما في الرؤية، شاهدت عجبا واندهاشا
طارت الفرقة وجاءت وحلت في الفردوس
خرجت قيثارات لتعزف وابواق للهتاف
الكنارات بمزاميرها والنفير بقراءاتهم
سباني لحن اصواتهم، فركضت الى باب عدن
من شق الباب اصغيت، وسمعت واحدا من الملائكة
يقول بأسى وبحسرة للملائكة الذين حواليه،
اه ماذا حدث لآدم وكيف ترك مملكته
امال اذنه الى كلمة حواء وها هو يتيه مع الحيوانات
كيف صار سفليا، السفلي الذي صعد الدرجات
كيف اصبح كأي انسان، الانسان الذي نما
كيف اصبح كالتراب، التراب الذي كان انسانا
كيف هو كالإنسان، الانسان الذي اصبح الهاً
هوذا الفردوس يفتقد، صوت ادم وحواء
الاشجار وفواكهها. ها هي حزينة على خروجهما
وقال ايضا ذلك الملاك، المملوء رحمة، للكاروب
لا تطيل حراسة الباب ايها الحارس اذ لن يبقى آدم في الارض
لا تتعب نفسك في العمل، لان وارثيه سيعودون بسرعة
تشرق المحبة من العلو، ويكون لآدم التجدد
يرفع الفردوس ابوابه، ويدخل ويحل كالختن
تزهو امامه الاشجار، وتبتهج ثمارها ايضا
حينما سمعت صوت الملاك، ابتهجت لسماع هذه
واضمحلت كل الاحزان، وابتعدت عني ضيقاتي
وتبدد النوم من عيني، وجئت لأقول لك يا حواء
ما ان ذهبوا مسافة قصيرة حتى رجعوا لينظروا باتجاه الفردوس لعل الوعد يتحقق
وفتحوا الباب بحنان، وانصتوا بأذانهم جيدا
وعيونهم تتفرس، وقلوبهم حزينة، والسنتهم ساكنة
لم تهدا عواطفهم
وافواههم لا تبكي، لئلا يضطرب السمع اذا ما دعا انسان فجاة
كل خطوة كانوا يلقونها، كانوا يلتفتون لينظروا لعل ياتي احد وراءهم
ويناديهم ارجعوا
ولما تحتم الامر، ان لا احد يأتي خلفهم
واختفى الفردوس، وابتعد عن عيونهم
صعدا وجلسا على تلة و لكي ينظروا وينتقلوا
فتحسرا وبكيا لأنه كم ابتعدا عنه
نهاية القصيدة