عيد القيامة / البصرة 9 نيسان 2023

القيامة والرجاء

المطران حبيب هرمز

نفرح في عيد القيامة لأنه يوم النور المنتصر على الظلام، يوم الحب المنتصر على الشر، وكما قال مار بولس المحبة لا تموت ابدا، انه يوم ازالة الحجر عن قلوب اليائسين من جدوى الحياة الى الرجاء بالروح.

عندما اقام يسوع لعازر كان ملفوفا بالكتان فطلب من مرافقيه حله من الكتان. هنا وجد التلميذان ان الكفن مرتب بعناية بجانب القبر الفارغ كما كان يسوع يلفه في لقاءاته مع التلاميذ وكما شاهد وشهد يوحنا تلميذه الحبيب.

المجدلية عند القبر كانت تبكي لأن من اعاد لها الأمل والرجاء هو اليوم بعيد عنها وتركها وسط الناس المتحجرة قلوبهم.

كم عظيمة خبرات الإيمان هذه المعجونة بالحب. وكم عالمنا اليوم بحاجة الى هكذا حب وخبرات؟ الى شهود الإيمان يعيشون الإيمان لا يقلدون فقط

ولكن يبقى السؤال ما هو الجديد في حياتنا؟

الجواب يحتاج الى الجلوس جانبا والتامل في هويتنا ورسالتنا وحياتنا والى اين وصلنا. هل لا زلنا ضمن الأمور العادية: عمل واكل وشرب وتسلية ونوم،  ام هناك شيء جديد نحن مهتمون به؟ نسأل انفسنا لماذا حصل التجسد وما فائدة الإيمان ولماذا انا مسيحي وغيرها من التساؤلات. لكن الأهم ماذا يريد مني يسوع اليوم؟ هو يريد السعي نحو الكمال للوصول الى قامته المقدسة. فهو قال لو كان لكم ايمان لقمتم باعمال اعظم مني! فكان ايمان بطرس عظيما الى حد ان المرضى لم يكونوا يستطيعون الوصول اليه فكان اقاربهم يحملونهم الى ظل القديس ويكفي ليشفون.

انه موضوع خطير فاين نحن من الإرتفاع الى مستوى قامة المسيح ومن نحن كي يقول لنا لقمتم باعمال اعظم مني؟

لو راجعنا اقوال كتبة الأسفار المقدسة والآباء والقديسين لوجدنا ان هناك جهاد نحو الأفضل، سعي نحو الكمال، لو طالعنا سفر التكوين نجد الله يقول لإبراهيم سر امامي وكن كاملا. والنبي ميخا تنبأ وقال: قد بَيَّنَ لَكَ أَيُّها الإِنسانُ ما هو صالِح وما يَطلُبُ مِنكَ الرَّبّ. إِنَّما هو أَن تُجرِيَ الحُكْمَ وتُحِبَّ الرَّحمَة وتَسيرَ بِتَواضُع مع إِلهِكَ. اذا الله يريد ان نكون عادلين رحومين متواضعين.

يسوع يدعونا الى العمل قال: مادام النهار لنعمل لأنه سياتي الليل حيث لا نستطيع ان نعمل به.

مار بولس لم يسير مع يسوع في شوارع اورشليم ولكن تعرف عليه بالوحي بعد القيامة، هو آمن وقام بمعجزات في رسالته لعشرات السنوات. هو شبّه حياتنا بسباق الركض في الأولمبيات لأنه عندما كان يبشر في العاصمة اثينا شاهد الألعاب الأولمبية. ثم في النهاية قال جاهدت الجهاد الحسن واستشهد.

هكذا دائما هناك دعوة للأفضل وعدم الركون الى حالة ساكنة قد تؤدي الى الرتابة والخمول والملل وضعف الحياة الروحية.

يقول المزمور 43: أَرسِلْ نورَكَ وحَقَّكَ هما يَهدِياني إِلى جَبَلِ قُدسِكَ وإِلى مَساكِنِكَ يوصِلاني.

ونرتل في القداس عبارة: ارسل روحك ايها المسيح فتجدد وجه الأرض.

نحن اليوم لسنا يتامى ما دام هو معنا بروحه ومع كنيسته. من هنا ايماننا المسيحي بالروح القدس، فروح الله معنا الى نهاية الدهر.

الرجاء

الرجاء مبني اولا على لقاء كما حصل بين يسوع والمجدلية والتلاميذ. ثم ينتظر جوابنا وهو فضيلة الهية لانه عمل الله فينا وعملنا في نفس الوقت. وهذا العمل هو التزام.

هذا الإلتزام يبدأ بامور صغيرة وبسيطة: ابتسامة محبة، مساعدة صغيرة، تعاون بسيط، سماع الآخر، عمل رحمة، رفض الظلم، الصلاة لأجل الآخرين وغيرها.

هذه الروحية والروحانية انتجت الاف القديسين الذين غيروا وجه البشرية لا بالسلاح والترهيب والقوة والعنف والغصب ولكن بنشر روحانية المسيح حيث سلام القلب.

انتشار المسيحية وسفر الرؤيا

ان انتشار المسيحية خلال اول نصف قرن لم يكن الا بفضل العائلات حيث لم يكن هناك انجيل مكتوب ولا بابا ولا بطريرك فقط عدد من الأساقفة ومساعديهم والذين استشهد اغلبهم.

وما يخشى منه البابا فرنسيس كما قال لنا هو ان يسوع الذي نقرأ قوله في سفر الرؤيا: انا اقرع على الباب ومن فتح لي ادخل واتعشى معه؛ انه صحيح حاليا يقرع الباب لكن من الداخل كي يخرج من قلب الإنسان الذي يعبد ذاته ولا يريده.

رسالةُ الكنيسة اليوم وكلّ يوم: الربُّ هو نورُ العالم، وهو بحاجةٍ إلى رُسلٍ يُحبونهُ قبل أن يكونوا له شهوداً، فيسألنا اليوم مثلما سألَ شمعون بطرس: “أتُحبُني …”، وهو يعرِف أننا نُحبهُ وفقَ ما نقدِر عليه، وهذا يكفيهِ إن كانت محبّتنا صادقةً. هذه المحبّة لن تتوقف عند شخصنا، بل يجب أن تتعداها لتكون بُشرى سارّة في حياة الآخرين.

فهذه اذن دعوة لنا للثبات في الرب في افكارنا واقوالنا وافعالنا منتظرين تجليه آمين.