عيد الميلاد المجيد
لوقا 2: 1-20
المطران حبيب هرمز
في احتفالات الميلاد نرى الوحدة، وحدة العائلة، حيث اقتراب اعضائها الواحد من الآخر، وحيث التعلق بالطفل الإلهي داخل المغارة؛ المغارة التي تعلمنا احترام الطبيعة وعيش البساطة.
ليلة الميلاد تربطنا روحيا بتلك الليلة الجميلة التي التقت السماء بالأرض حيث بشر الملائكة الرعاة وولد يسوع المخلص. هي ليلة مهمة للأطفال وللكبار. مهمة للأطفال لأن يسوع الطفل يذكرهم بأهميتهم كرجاء للعالم. ومهمة للكبار لأنهم يرجعون الى براءة الأطفال وبساطتهم ونقائهم.
إن نجمة المشرق التي رآها الحكماء القادمون من الشرق كانت نجمة الرجاء في عالم افضل، رمزا للنور بعد ليال مظلمة. لا يمكن التامل في يسوع وهو في المذود دون ان يسبقه التأمل في معنى نجمة المشرق.
عندما نحتفل بعيد الميلاد نعلن ان الله هو ملك الأرض وما عليها. وإن كان هناك ملوك او رؤساء او حكام مسلطون علينا، فما هم الا تحت سلطة الله الخالق والمخلص والمدبر. يسوع هو مصدر حرية الإنسان والأخوة بين البشر والساعين نحو العدالة والسلام. يسوع يمنح معنى الفرح الحقيقي لأنه يزرع السلام في قلوبنا.
نحن امام المغارة نتعرض الى اختبار حقيقي، الا وهو كم من صفات يسوع فينا. فمن الملاحظات المهمة في انجيل الميلاد هو تأكيده على التواضع والتجرد. وهنا يكمن سر الميلاد عندما يحيا بيننا مالك كل شيء وهو في نفس الوقت بسيط ومتواضع كمن ليس له شيء!
يقول القديس يعقوب السروجي: “ان ابن الله تنازل بسبب محبته لأبيه، وجاء ليكون ابناً للعذراء”. كانت مريم تحفظ هذه الأحداث في قلبها. لماذا؟ لأن ما يجري معها وحولها من امور هي بمثابة سر، اي حقيقة عميقة الفهم ستغير مجرى التاريخ والأحداث.
نقول انه في هذا اليوم ولد لنا (ايشوع) اي الهي صخرتي، الإسم الذي اطلقه مار يوسف ومريم. لذلك فمريم العذراء تمثل البشرية التي تنتظر الصخرة التي تستند عليها لتقوم من سقطاتها وتنهض من جديد لتنشئ علاقات واختبارات انسانية جديدة مع الله وبعضها البعض والطبيعة. ولأن يسوع هو هو امس واليوم وغدا، لذلك الإختبار يبقى مستمراً وكل سنة ويدعونا الى الدخول في عالم العائلة المقدسة.
إن عيد الميلاد هو مناسبة لنا لمراجعة الذات والإنطلاق من خلال تفعيل الحدث في شخصيتنا المسيحية، بتغيير عاداتنا وطباعنا واساليبنا الحياتية واحكامنا الشخصية نحو الأفضل، بالمواظبة على تقوية حياتنا الروحية من خلال الصلاة والثقافة الروحية، بترك كل ما يشوش علاقتنا معه، بالتمييز بين ما سعى اليه وما يسعى اليه ابناء هذا العالم. إن من لا يصير طفلا كيسوع لن يصبح رجلا في المسيح.
لذلك لدينا رسالة ان ندخل دفء جو المغارة الى عائلاتنا. لدينا رسالة ان نحيي تراثنا الروحي المشرقي الخاص بالميلاد. علينا العمل لنفخه بروح الحياة وسط ثقافة الموت من حولنا. ومثلما زار الملوك يسوع ونقلوا الحدث الى وادي الرافدين هكذا علينا زيارة المغارة ونقل الحدث اليوم لمن هم حولنا.