في أجواء عيد القيامة 2022

“أبناء القيامة”، لقبٌ أحبّه آباؤنا

المطران د يوسف توما

كانت مسألة قيامة الأموات في قلب جدالات اليهود في زمن المسيح، وكان لجماعة الصدوقيين צְדוּקִים هم حزب سياسي وديني) رؤيتهم الخاصة، قبلوا التوراة فقط (الأسفار الخمسة الأولى)، وأنكروا قيامة الأموات والحياة الأبدية بعد الموت ورفضوا الاعتراف بالملائكة والشياطين. ورد ذكرهم في الإنجيل وأعمال الرسل 14 مرة، وكان قيافا عظيم الكهنة الذي حكم على يسوع صدوقيًا.

إنكارهم لقيامة الأجساد جاء على اعتبار أن الحياة الجنسيّة جزء من حاجة الجسد، لذلك أرادوا معرفة رأي يسوع في القيامة، فسألوه، ليس سؤالًا لاهوتيًا، بل ليضعوا له فخا يخص مسألة العلاقة بين الزوجين في قصة المرأة التي أخذت تباعا سبعة إخوة: “لمن ستكون يوم القيامة؟” (متى 22: 23-33). وكان مقابل الصدوقيين مجموعة أخرى قويّة من اليهود في ذلك الوقت، الفريسيون، هؤلاء كانوا يقبلون بالقيامة، أعجبهم جواب يسوع بشأن علاقة الإنسان بشريعة الله، هؤلاء أيضا طرحوا على يسوع سؤالًا يتعلق بالزوجين: “هل يمكن للمرء أن يطلق زوجته لأي علة؟ (متى 19، 3-12). الجميع يفهمون أن مسألة العلاقة الزوجية مسألة عهد إلهي لا يقبل التلاعب أو المزاج إذ عليها سيعتمد الثواب والعقاب وطريقة تعامل الله معنا والدينونة… هذا الموضوع إذن يكشف من أنت وما هو تصورك للدين. كقول الأب فيليب لفيفر Lefebvre (عالم الكتاب المقدس السويسري): “أخبِرني كيف تتصوّر العلاقة بين الرجل والمرأة، وسأخبرك ما هو مفهومك عن العالم، عن الحياة، عن الله”. (“ماذا يقول الكتاب المقدس عن العائلة” 2014).

منذ ما قبل العصر المسيحي، طوّرت التيارات اليهودية – خاصة الفريسيون – على أساس معطيات الكتاب المقدس، فكرة قيامة للأموات: لأن الله الذي يعطي الحياة لا يمكنه أن ينتزعها. فالله في الكتاب المقدس شخص حي ويمنح الحياة. لكن رفض الصدوقيين القيامة. بحجة أن ذكرها لم يأت صريحا في كتب التوراة الخمسة، وبالتالي يبدو لديهم أنها بدعة تناقض التقليد. لهذا، اخترعوا قصة زواج المرأة من سبعة إخوة وقدموها مع ابتسامة ساخرة. فالقصة وإن كانت خرقاء إلى حد ما، لكنها تتطابق مع شريعة موسى قدموها باستخفاف بالقيامة على أنها مجرد استمرار للحياة وللوجود كما نعرفه على الأرض الآن. ماذا سيصنع الله للمرأة المتزوجة سبع مرات؟ لمن ستُنسب إلى الأبد إذا ما عاد القائمون من القبر إلى الحياة كالسابق، لمن سوف تكون زوجة؟ إنهم متأكدون من عدم قدرة يسوع على الإجابة على هذا السؤال بطريقة معقولة وإثبات قيامة الإنسان.

إن الحالة التي قدموها تقول شيئًا عنهم، بالذات. فهم مجموعة “متعصّبة” – تتلاعب بالنص- يستحضرون حالة امرأة تنتقل من رجل إلى آخر، حالة غريبة، في غير محلها. لكنهم يشيرون إلى قانون فرضته التوراة وهو إجبار زواج الأخ بأرملة أخيه (تثنية 25: 5) la loi du lévirat، الزواج لديهم مجرد عقد له نتائج تلقائية، بلا حياة أو عشرة حقيقية؛ مثالهم يستحضر كائنات نظرية، نكرة تظل مجهولة وتبيّن عقليتهم عن المرأة، مجرد سلعة لا قيمة لها، فلا يطرحون أي أسئلة على أنفسهم. والحال إن القيامة تفترض عكس كل هذا بالتأكيد: ماذا يريد الله؟

يقول يسوع للصدوقيين: “أنتم في ضلال لأنكم لا تعرفون الكتب ولا قدرة الله، ففي القيامة لا الرجال يتزوجون ولا النساء يزوّجنَ، بل يكونون مثل الملائكة في السماء. (ثم يأتي جوابه من التوراة) وأما قيامة الأموات، أما قرأتم ما قال الله لكم: “أنا إله إبراهيم، وإله اسحق، وإله يعقوب، وما كان إله أموات بل إله أحياء” (متى 22: 29-33).

القيامة إذن، بالنسبة إلى يسوع هي وقت الاكتمال، عندما يصبح الانسان “مثل الملائكة”: أي لا يعود حائرا، يتلمس طرقًا معقدة كما هو حال الوجود الأرضي، بل يبلغ ملء كيانه الذي خلق من أجله. حيث لن تعود الحاجة إلى الاستمرار في الوجود عبر التناسل والذرية، فهذه لن يعود لها ضرورة ولا مكان: المرء هو نفسه يصبح “ابن القيامة”. وسيتمتع باكتمال شخصه ويعرف الله باسمه نهائيًا معرفة إيمان مثل: إبراهيم وإسحق ويعقوب، الأحياء مع بقية الأحياء. أما الصدوقي الذي يتحدث هنا فهو يعيش كما في عالم من الحيوانات المستنسخة (المستنسلة clonage): حيث المرأة ليست سوى جسد يجب تلقيحه يستخدمه الرجل قبل الموت – وهذا تكرره المعتقدات الشعبية بلا ملل “الخَلّف ما مات”!

خاتمة

هكذا، منذ بداية المسيحية فَهِمَ المؤمنون أنهم أبناء وبنات القيامة (بنَيْ قيًمًا) أبناء وبنات الله الحنون المحب الخالق والمخلص، ويعني ذلك شعورهم بالكرامة والبنوّة التي أعطاها المسيح عندما دعاهم أن يصلوا: “أبانا الذي في السماوات…”، فالإنسان ليس من بين الأشياء والحاجات، إنما هو شخص يختلف، “مُنعَمٌ عليه” بالحرية والعقل والإرادة وهذه ستبقى إلى الأبد. موضوع القيامة ليس لتقسيم الناس إلى معتقدات وآراء، سواء كنتَ صدوقيًا أو فريسيًا أو تلميذًا للمسيح، أنت تُعاد قبل كل شيء إلى طريقة عيشكَ، بالترحيب بحياة الآخرين أو بعدم قبولها، بتقويتها أو القضاء عليها. في صباح قيامة المسيح، فهمت النسوة عند القبر ما حدث من خلال تذكّرهن كلمات يسوع. وسوف يعلنّ ذلك للتلاميذ الذين اعتبروا كلامهن باستخفاف (لوقا 24: 1-10). وهي للأسف طريقة رجال كثيرين في معاملة النساء وطريقتهم في الحياة تجعلهم قريبين من الصدوقيين، حتى لو كانوا لا يشاركونهم عقيدتهم. بالمقابل، هناك أناس بعيدين عن لقب مسيحي، مثل قائد المئة، الكنعانية والسامري “الصالح” في المَثَل… هؤلاء مستعدون لفهم القيامة، لأن حياتهم وحياة الآخرين مرتبطة في القلب وهؤلاء يعرفون كيف يجتمعون سوية ويتحدثون، كلهم لاهوتيون وأبناء القيامة الحقيقية.

 كركوك 6 نيسان 2022