لمناسبة ذكرى رحيل العلامة الأب الدكتور يوسف حبي

15 اكتوبر 2000

المطران حبيب هرمز

يوسف حبي، الموسوعة الناطقة

عملت مع المرحوم لأكثر من عشرة سنوات، علما اني كنت اتابع اعماله الفكرية من خلال مجلة بين النهرين منذ كنت طالبا في الثانوية في السبعينات. هو له الفضل عليّ في تنقيح العديد من مقالاتي وكتبي.

الأب حبي اضافة الى كونه اب روحي كان اخاً وصديقاً ومرشداً ومشجعاً ومتفائلاً وباعثاً للرجاء. كان عاملا نشيطا يسعى لنشر كلمة الله وابراز ثمار تراث كنيسة المشرق وحضارات وادي الرافدين. كان يستثمر وقته بطريقة ممتازة ويبخل حتى بفترة الراحة والنوم.

لقد علمنا الكثير؛ اولا كان له ثقة مطلقة بنا نحن العاملين حوله في كلية بابل، ثم صبر على كل شيء في ايام سوداء مر بها البلد ولازال للأسف. آمن بأننا مناجم للطاقات يمكن ان تشع كلمة الله حولنا وتعلن البشارة.

كان يعمل المرحوم كل شيء من عمق قلبه الحنون، بايمان عميق بالرسالة الموكولة اليه من قبل الروح القدس. كان فرحا بنا وبالطبيعة وبالفكر العالمي الإنساني وبالكلمة الأزلية. وجد حبي في هذه الكلمة ما يدفعه للإهتمام بفكر ابناء سومر وبابل الذين كانوا ينتظرونها بطريقة بدائية وكأنها النور في نهاية نفق افكارهم العطشى ولم يسعدوا بلقائها كما نحن اليوم. فالكلمة هي جوهرة لا تعوض كما شبهها مار افرام.

كان يسعى المرحوم الى الوحدة في كل شيء: وحدة الفرد والعائلة والكنيسة والمجتمع حتى الحضارات. كان يقول ان الحضارات متحركة تتلاقح بعضها مع البعض الآخر. فسعى الى مد الجسور نحو الجميع رافضا الإزدواجية في التعامل.

رأى المرحوم القداسة في كل مكان لأن الكون من صنع الله القدوس، ولم يكن كذلك لولا ايمانه بالشفافية في العلاقة.

كان يعشق ذرى الجبال لا فقط في شمال العراق او خارجه  بل في كل نشاط بشري.

آمن بالحب انه فوق كل شيء والحب هو نتيجة لعيش الحياة الساعية الى الحق.

كان شجرة روحية طيبة تثمر على الجميع رافضا حجب ثمارها عن البعض حيث كان يقول ان كل تعميم لفكرة هو فساد كبير.

اراد تعميق وعينا بما يدور حولنا كي نعطي للحياة معناها. فكثيرا ما نظلم نعمة الحياة بافكارنا واعمالنا. فكم نضيع ساعات العمر دون استثمار مفيد.

كان لا يخاف الله لأنه ابوه، فيخشاه لأنه حمّله مسؤولية كبيرة.

منحته خبرته في العيش في الكنيسة نعمة الصمت رغم بلاغته فكان يؤمن ان الصمت أبلغ من الكلام. لذلك احب التأمل في الفنون كالرسم والمسرح والخطابة.

باختصار سعى الى الكمال في كل شيء من خلال رؤية الخير في الاخر وجوعه الى عالم ملون كقوس قزح كما ظهر لنوح بعد الطوفان.

مرة قلت له: “يجب ان تشبع نوم لأنك حسب ما الاحظه من خلال عملي معك تبقى بعد الواحدة ليلا وتنهض في السادسة صباحا” فقال لي: العمر قصير ويجب ان نعمل وسأشبع نوم في القبر. ليرحمه الرب.