مساهمات سيادة البطريرك مار لويس ساكو في مجال لاهوت تعليم الكنيسة الإجتماعي
المطران حبيب هرمز
مقدمة
اللاهوت الإجتماعي هو عن الله وتدبيره الخلاصي عبر دراسات منهجية وبلغة انسانية غير عادية مرتبطة بواقع المجتمع الهادف لبذر بذور ملكوت الله. حسب اللاهوتي كارل راهنر، ان كل لاهوت في النهاية هو رعوي اي لرعاية الناس. اللاهوت الإجتماعي يربط بين الإيمان والمجتمع، وله طابع نبوي قد تجعله صاحب مواقف مع المعرفة التقليدية لأنه يتمتع بروح النقد ويقرأ علامات الأزمنة.
ويستند تعليم الكنيسة الإجتماعي الذي هو مركز اللاهوت الإجتماعي على مصادر عديدة منها الكتاب المقدس واعمال آباء الكنيسة وتعليم الكنيسة الرسمي. واثناء تحضيري لكتاب بعنوان “المدخل الى اللاهوت الإجتماعي” والذي سيطبع هذه السنة في البصرة، بحثت في مساهمات غبطة البطريرك مار لويس ساكو في مجال تعليم الكنيسة الإجتماعي. فمن خلال كلماته ورسائله ومقالاته وتصريحاته ومقابلاته الصحفية نجد تغطيته لمحاور تعليم الكنيسة الإجتماعي. وقد حاولت تسليط الضوء على عناوين ركز عليها منذ ان رسم اسقفا سنة 2002 وبطريركا في 2013. كما يجد القارئ العزيز استعراضاً لبعض ما قاله غبطته كنماذج لإهتماماته، وهذه اهمها:
المجتمع
- اهمية السلام في حياة البشر في وقت نشهد اندلاع حروب عديدة، ضرورة الأمن الروحي والأخلاقي لضمانه. قال غبطته “السلام يجب ان يتحقق من خلالنا نحن (القادة الدينيون) والسياسيون وذلك من خلال اتخاذ مبادرات مسؤولة.”[1]
- الدفاع عن كرامة الإنسان (رجل او إمرأة او طفل). كتب سنة 2023: “يجب ان لا تغيب عن التعليم الديني قيم كرامة الإنسان وحريته وحقوقه التي هي جزء اساسي من رسالة الكنيسة والأديان، تماما كما فعل يسوع خلال حياته. لا ينبغي ان يشعر إنسان ما انه مستبعد ومهان ومظلوم.”[2]
- ضرورة معالجة ظاهرة غياب ثقافة الإعتذار في البلد، واهمية نشر ثقافة التسامح في المجتمع. لمناسبة الذكرى الأولى لزيارة البابا فرنسيس الى العراق، دعا غبطته الى انشاء مركز للتسامح والمصالحة والسلام من اجل “التغلب على كل عداء وتعزيز الشراكة”[3]
- اهمية حرية الضمير والمواطنة والحرية الدينية في ظل التحديات السياسية المعاصرة، ورفض الكوتا الطائفية او المكوناتية في البرلمان العراقي، وتعامل مؤسسات الدولة مع المسيحيين كمواطنين من الدرجة الثانية “المواطنة هي الطريقة الوحيدة لتجاوز الإنقسامات، في مؤتمر سنة 2018 قال: “إن المواطنة هي الحل الوحيد لمستقبل العراق ويجب ان تكون هذه المواطنة للجميع، اي تحت خيمتها ينضوي الكل، وتتم حماية كل شخص بغض النظر عن انتمائه العرقي والديني. إن مفهوم المواطنة يساعد على وضع حد للتمييز والإقصاء، كما هو الحال في الغرب الديمقراطي. فالإنتماء للوطن يلغي ان يكون هناك اغلبية دينية او عرقية او حتى مفهوم الأقلية. اذ تسمح المواطنة للجميع بالحماية لأن الجميع سيخضعون للقانون نفسه…”.[4]
- التاكيد على حوار الأديان والذي هو بحاجة الى الوعي والمثاقفة. قال في لقاء للقادة العسكريين في فرنسا سنة 2017: “ان الحروب كلها تنتهي بما كان يجب ان تبدأ به، أي الحوار. الحوار يساعد على التعرف على الآخر وحلّ المشاكل بطريقة حضارية لائقة بالناس.”[5]
- اشكالية الدين وخطاب الكراهية والتطرف الإرهابي والعنف باسم الدين وضرورة معاقبة مروجيه. ففي مؤتمر لحرية الدين في العراق قال:”لقد غدا التطرف الإرهابي ظاهرة مخيفة ومقلقة في المنطقة والعالم، ومحنة تصدمنا نحن المسيحيين الشرقيين، وكذلك الأقليات الدينية الأخرى…”[6]
- المطالبة المستمرة “بإصلاح القوانين، والدستور الحالي متناقض ويحتاج دوما الى التفسير، كذلك اصلاح مناهج التعليم، وبعض فقراتها بات مستهلكا وقديما”[7] وفيها تغييب ما له علاقة بالمسيحية في المناهج الدراسية لوزارة التربية.
الكنيسة
- العمل لتنمية الحياة الروحية والإنسانية في اتجاه يتلائم مع متطلبات العصر. هذا خصوصا المكرسين حيث قال: “أوكد كثيرا على ان يكون بشكل خاص للكهنة والرهبان والراهبات روحانية عميقة…”[8]
- اهمية مراجعة نظرة الكنيسة حول دور النساء في المجتمع والكنيسة على ضوء المستجدات الثقافية والإجتماعية. وفي رسالة راعوية الى الشباب سنة 2018 كتب:”انها بالمعمودية عضوة في الكنيسة وشريكة وتتمتع بالكهنوت العام.”[9]
- التحذير من العلمانية المتطرفة وثقافة الموت والثقافة النسبية في العالم. فبعد زيارته لأبرشية مار بطرس الرسول الكلدانية بامريكا كتب : “حافظوا على اولوية المسيح في قلوبكم ومواقفكم، فالولاء هو له وللكنيسة: “كل شيء لكم، وانتم للمسيح، والمسيح لله” (1قورنثية 3: 23).[10]
- شرح اسباب تراجع المباديء الدينية والروحية في الزواج: التقدم التكنولوجي والعلمي، تشريع بعض الدول لحق الأشخاص بالطلاق، دور الإعلام الرقمي المعاصر. وحول روحانية الزواج كتب سيادته: “الزواج في نظر الكنيسة تصميم الهي، اوحي في الخلق. ” ذكرا وانثى” اي شركة بين الرجل والمرأة، انه اساس الزواج وتكوين اسرة باطفال…على صورة الله.”[11]
- اشكالية النزوح داخل البلد والهجرة الى خارجه. كتب غبطته في 30 نيسان 2022 “من هاجر لم يهاجر عن بطر، انما لأنهم فصلوا لأسباب قاسية من ارضهم واهلهم ومجتمعهم وثقافتهم وحضارتهم، بسبب صراعات وحروب عبثية وفساد، وغياب الديمقراطية والعدالة والمساواة…”[12]
- انقسام المسيحيين فيما بينهم، وضعف فهمهم لمعنى السياسة. في نص له لمناسبة عيد الميلاد قال “وعلى المسيحيين ايضا ان يتعلموا الدروس من الماضي وينزعوا عنهم الخوف والنظرة التشاؤمية والمصالح الشخصية التي تقسمهم، ويبلوروا رؤيتهم ويوحدوا صفهم وموقفهم ويتماسكوا لكي يحافظوا على وجودهم ودورهم في الشأن العام والعملية السياسية بشراكة وطنية حقيقية بعيدة عن التبعية والوصاية، ويبنوا وطنهم ومستقبلهم يدا بيد مع اخوتهم المسلمين، لأن المستقبل لا يستقيم ولا العيش المشترك الا معا.”[13]
- العمل من اجل وحدة المسيحيين. لقد تعمق غبطته في معنى الوحدة الجوهرية فقال “الوحدة الجوهرية موجودة في العمق (ألإيمان والروح) غير منظورة، فقانون ايماننا واحد وطقوسنا متقاربة خصوصا ما يتعلق بجوهر احتفالاتنا بالأسرار السبعة. هذه الوحدة غير تامة كنسيا، لأن شكل الكنائس مختلف، جغرافيتها مختلفة، ولغتها مختلفة وهكذا بالنسبة لطقوسها وتقاليدها وقوانينها وريازتها، فلا يمكن تجريد هذه الكنائس من هويتها. المهم الا يتحول هذا التنوع الجميل الى خلافات ومنافسات وانعزالات.”[14]
- ضرورة تحمل المكرسين (كهنة واساقفة) لمسؤولياتهم الإنسانية والوطنية اضافة الى الكنسية “بنفس حب المسيح ومشاعره، وبعلاقة وجدانية حية، بحيث نوجه ذاتنا وكنيستنا ومجتمعنا نحوه.”[15]
- اهمية استثمار المواهب الروحية (الكاريزما) في الخدمة. “اتمنى ان تبقوا راسخين في الإيمان بالرغم من الظروف القاسية التي نعيشها، منفتحين على المحبة، واسخياء في اعمال الرحمة، التي ينتظرها اخوتنا المحتاجون –المهجرون! ومواظبين على الصلاة، كما تقول الرسالة الى رومية: ” 11 إِعمَلوا لِلرَّبِّ بِهِمَّةٍ لا تَفتُر ورُوحٍ مُتَّقد. 12 كُونوا في الرَّجاءِ فَرِحين وفي الشِّدَّةِ صابِرين وعلى الصَّلاةِ مُواظِبين. 13 كُونوا لِلقِدِّيسينَ في حاجاتِهِم مُشارِكين وإلى ضِيافةِ الغُرَباءِ مُبادِرين…” (رومية 12: 11-13)[16]
الختام
من هذا المنطلق فإن خطابات وكلمات غبطة غبطة البطريرك لها اهمية كبيرة عند اعداد مناهج التعليم والعمل في الأبرشيات والخورنات وخطط الأساقفة والكهنة لرعاية رعاياهم.
وقد تبين تعدد اهتماماته في شتى مناحي الحياة منذ ان رسم اسقفا والى اليوم رغم ان له مقالات وكتب عديدة تمس ذات الموضوع المهم عندما كان كاهنا في الموصل وبغداد. نقترح اقامة ندوات او محاظرات لتسليط الضوء اكثر على الموضوع.
[1] دعم مسيرة السلام، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2017، ص153.
[2] الدفاع عن كرامة الإنسان، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص5.
[3] كلمة في ندوة عن التسامح، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص 19.
[4] من كلمته في مؤتمر نظمه مجلس الشيوخ الفرنسي بباريس في 12 نيسان 2018، ص56.
[5] كلمة في لقاء القادة العسكريين MIP في اورد – فرنسا 2/06/2017، ص15.
[6] كلمة في مؤتمر حرية الدين والمعتقد في العراق 21/01/2017، ص3.
[7] من مقال عن الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، الكنيسة في العراق، 2017، ص137.
[8] عراقة كنيسة العراق، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2017، ص197.
[9] رسالة راعوية الى الشباب المسيحي. 30/10/2018، ص80.
[10] من رسالته الى ابرشية مار بطرس الرسول في 12 ايلول 2017، ص21.
[11] روحانية الزواج والأسرة الى اين، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص281.
[12] الهجرة ظاهرة زماننا، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص 259.
[13] من رسالة الميلاد، 2017، ص37.
[14] كلمة في ختام اسبوع الصلاة من اجل وحدة المسيحيين، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص 7.
[15] كلمة في افتتاح اعمال السينودس الكلداني 2022 في بغداد، الكردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، 2023، ص 68.
[16] كلمة في افتتاح الرياضة السنوية لراهبات بنات مريم الكلدانيات. بغداد، 2017، ص17