يوحنا دالياثا وداديشوع قطرايا
يوحنا دالياثا
بقلم الأخت نادرة خياط – لندن 2012
نشر المطران حبيب هرمز-البصرة 2023
ولد يوحنا في قرية صغيرة تقع بين زاخو ودهوك في نهاية القرن السابع (ويعتقد انه عاش بين 690 و780م. ترهب في دير مار يهوزادق الواقع في جبال قردو( جبال كردستان في جنوب تركيا).
وكان هذا الدير تابعا لتيار صوفي يسمى (المصلية) وهي حركة روحية نابعة من مكاريوس النهراني الذي تاثر به يوحنا دالياثا وكانت هذه الحركة قد اعتبرت هرطقية من قبل الكنيسة الرسمية لتطرف بعض اعضائها.
بعد ابتداء دام عدة اشهر عاش الحياة الجماعية لمدة لا تقل عن سبع سنوات بعدها ذهب ليعيش متوحدا في جبال دالياث حيث اكتسب خبرة روحية عميقة ودون بعض خبراته.
وعندما اصبح شيخا استقر في مكان قريب من ديره الاصلي حيث التحق به رهبانا اخرين ارادوا ان يعيشوا تحت توجيهه فجعلوه رئيسا لدير جديد اكمل فيه حياته وقبر فيه.وبما ان الجماعة التي انتمى اليها كانت مصدر شكوك من قبل السلطات الكنيسة فقد كانت كتاباته تتداول بالخفية وتمكن اتباعه من جمع بعض كتاباته وعندنا الان 30 مقال وخمسون رسالة ومؤلفات قصير اخرى، بعد وفاته بقليل ادينت كتاباته ومنعت في سينودس تراسه البطريرك تيموتاوس الاول سنة 786_787 اذا كان تموتاوس ينكر امكانية مشاهدة الله من قبل اي مخلوق. ولكن الحرم رفع بعد موت تموتاوس بقليل.
نحن ندين بما نعرفه عن يوحنا دالياثا للاب روبر الكرملي الذي ترجم اعماله من اللغة السريانية الى الفرنسية ثم تعمق في دراسة خبرته الروحية وعلاقته بباقي متصوفي عصره كيف تاثر بهم وكيف صور بعض ترائهم حسب خبرته الروحية فهو كما يقول الاب روبر شهادة للالفه الروحية التي عاشها مع الله وماكتبه يعكس خبرته الشخصية العميقة المتغلغة باشعاع حضور الله وليس ثمار التفكير النظري او الدراسي.
افكار وروحانية يوحنا دالياث
لقد كان يوحنا دالياث كباقي المتصوفيين الشرقيين معتز بالتراث الروحي للاباء اللذين عاشوا قبله سواء كانوا سريان ارثودوكس او يونانيين وقد قادت الخبرة الروحية التي عاشها في جبال دالياث الى جمع نادر بين هذه الخبرة والتعليم النظري الذي تمعن به عند قراءة ما كتبه قبله والتي ادت الى تعديل بعض المفاهيم والاطارات الفكرية التي استعملها اسلافه عندما عبروا عن خبرتهم الروحية.
لقد اتبع يوحنا دالياث تيارا يتميز بالميل الى مشاهدة الله والاتحاد به بحرارة الروح القدس وهو تيار تاثر بمكاريوس النهراني(القرن الرابع) الذي يعد مؤسس صوفية القلب حيث يركز على علاقة روحية مع الله تتسم بالنور والحرارة معا الاتيه من قلب الله والتي تبدا تشرك الانسان بالنور والحب الالهي. كما انه اعتمد في تقسيمه للمراحل الروحية للمتصوف ديونيسوس مع تجديد في المراحل والمحتوى.
وقد لخص تعليمه عن المراحل الروحية كالاتي:_
- مرحلة التطهير لتقديم كيانا على جميع درجات عمقه اي على صعيد الحواس الجسدية والفكر والعاطفة والارادة في هذه المرحلة يقوم الانسان بالعمل الزهدي بصورة رئيسية ويوجه حواسه وفكره وارادته وعاطفته باتجاه مايريده الله ويستمر بذكر الله والاندهاش بعطفه وحنانه تعالى وفي هذه المرحلة يحتاج الانسان الى التوبة المستمرة والصلاة المتواصلة وممارسة اعمال المحبة.
- مرحلة التقديس والتطهير،مكمل التقديس التطهير وهذا عمل الله بصورة رئيسية لان نار الروح القدس تبدا تحرق شيئا شيئا جذور الخطيئة وكذالك فان شدة الحرارة الاتية من قلب الاله تبدا تشرك الانسان بالنور وبالحب الالهي، وهنا يستعمل يوحنا دالياث كلمة”رحمثا” لحب الله وهي لا علاقة لله بكلمة الرحمة كما يدل معناها في اللغة العربية لا بل ان رحمثا تعني حنان الله وشوقه لنا(في اليونانية Eros ) هذه المرحلة تؤدي الى التواضع والفرح وحرارة الايمان والمحبة.
- مرحلة الاتحاد، في هذه المرحلة يؤدي التنوير الى رؤية محبة الله والخروج عن الذات بدافع الاعجاب فان رؤية محبة الله على وجه المسيح يسبب اعجابا يؤدي الى نسيان الذات ثم يوقض الروح القدس المؤمن ويعطيه رؤية اعظم تؤدي بدورها الى اعجابا اعمق وخروجا اتم عن الذات وهكذا دون نهاية في هذه الحياة وحتى الابدية، وفي هذا الصدد يعمق على مار بولص 2لو 18:3 وكور6:4، اما البعد الثاني لهذه المرحلة فهو الخروج من الذات من الظلمة الى المعرفة.
نلاحظ في كتابات يوحنا دالياث تركز على التوبة المستمر حتى بعد وصول الانساني الى المرحلتين الثانية والثالثة كما يركز على الدهشة امام عظمة الله ومن الله ومشاركة الانسان بحياة الله ولو انه يفرق بين طبيعة الله وعظمة حنان التي تشع تغذي الانسان وتؤدي الى الاتحاد به.
كذالك يستعمل يوحنا دالياث رموزكثيرة عندما يتكلم عن خبرته الروحية مثلا:”البسه حلة من النور” “مرأة الروح” “عطور المحب” “نار الحب” …..
كما يستعمل مفارقات عديدة سر وحدانية الله الذي يتضاعف فرحه اذا اتحدبه الانسان والذي هو في الانسان خفي وظاهر معا باتحاد يفوق الاتحاد وبروابط تقيد وتحرر.
داود يشوع القطري
ان داود يشوع القطري الذي عاش على الاكثر في النصف الثاني من القرن السابع، بقي قريبا نوعا ما من التقليد الرهباني للقرن السادس كما تعرفنا عليه عند ابراهيم النثفري مثلا (1) بالرغم من انه تآلف مع كتابات افغريوس. بصورة عامة، يبدو انه اهتم بالوجه الزهدى للحياة الروحية اكثر من وجهها الروحاني (الصوفي) . من كتاباته التي وردتنا تأويل كتاب الأبا أشعيا، وتفسير لكتاب الفردوس (2)، ومقالة على خلوة الاسابيع السبعة (3) . ويوجد ايضا في دير رهبان الكلدان في الدورة مخطوط يحوى على رسالة لداد يشوع موجهة الى شخص اسمه ابكوش، على الخلوة ايضا.
ان هذه الرسالة التي ما تزال غير مطبوعة، تبقى على الصعيد الزهدى المحض وتبحث في الفضائل الاساسية الثلاث للحياة الرهبانية الا وهي الحفاظ على الخلوة ( ) التي تستدرجنا الى التفكير ( ) الذي يؤدي بدوره الى ضبط النفس ( ) . ومن هذه الفضائل الثلاثة تولد ثلاث فضائل اخرى اكبر منها الا وهي الصلاة المستمرة وابادة الافكار السيئة والزهد ( ) فالخلوة اذا هي جذر شجرة جميع الفضائل التي تجعلنا نكتسب نقاوة القلب، وهذه تؤهلنا لرؤية الله ولحبه انها عربون الكمال الاتي.
يتبين في كتاباته انه بالاضافة الى تأثره بالأباء المتوحدين مثل الأبا اشعيا، تأثر بافغريوس ( فيما يخص مفردات المشاهدات، والصلاة النقية والصلاة الروحية، ورؤية نور الذهن، ومفهوم اللاهوى) وتأثر ايضا بمكاريوس (فيما يخص ممارسة ذكر الله المستمر، وفترات ترك النفس لقواها الخاصة، والشعور بالفعل المضيء للروح في داخل القلب ) وبيوحنا المتوحد (فيما يخص المسالك الثلاثة (4) . ومن هذه التأثيرات الثلاثة الاخيرة، يبدو ان صوفية افغريوس النظرية اثرت اقل من غيرها على فكر داديشوع الذي هو قبل كل شيء فكرا عمليا.
(1) راجع ر.س.، ص18-19
(2) وهو مجموعة من سير الرهبان الغربيين
(3) نشرها منغانا في Woodbrooke Studies
(4) راجع المنازل الثلاثة ليوحنا المتوحد، ر.س،ص17