اهمية النضج النفسي – العاطفي في الزواج
اهمية النضج النفسي-العاطفي في الزواج
أهميَّة النضج النفسي- العاطفي في الزواج
معنى النضج في علم النفس، هو القدرة على الاستجابة للبيئة بطريقة مناسبة. وهذه الاستجابة عموماً يجب تعلُّمها، أي أنَّها ليست غريزية. ويشمل النضج أيضاً أنْ يكون الفرد على وعي بالوقت والمكان المناسبين للسلوك، وكذلك معرفة متى يتصرَّف الفرد، وفقاً لظروف وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.
أمّا أهمية النضج النفسي- العاطفي في الزواج، فمن الطبيعي قوله، بأنَّ كلُّ فتاة (وهذا يمكن قوله أيضاً للشاب)، تحلم بزواجٍ سعيد وحياة زوجيَّة سعيدة، لذلك فهي تتزوَّج من ذلك الشاب الذي تتوخّى منه أنْ يكون لها زوجاً صالحاً ناضجاً، ولأبنائهما أباً واعياً ومسؤولاً وملتزماً. إلّا أنَّه أحياناً وبعد الزواج، تلاحظ الزوجة تصرّفات زوجها وكأنَّه ليس برجلٍ متزوّج ولا يزال يعيش حياته كما تعوَّد عليها عندما كان أعزباً. إذْ يواصل خروجه الذي اعتاد عليه كلَّ مساء حتى الساعات الأخيرة من الليل مع أصحابه الى المطاعم والكافتيريات و… بحيث لا حضور له يُذكر مع زوجته وأولاده في البيت إلاّ ما قلَّ وندر. ففي غالب الأحيان يكون غائباً أو بعيداً عنهم. أمّا خلال وجوده في البيت فإنَّه في معظم الساعات ينشغل بالأحاديث والدردشة مع أصدقائه وربما مع صديقاته من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، ناسياً بأنَّ له زوجة وأولاد عليه واجب ومسؤولية والتزام تجاههم. لا بل، عندما تحاول زوجته مناقشة الأمور معه، يتوجَّه إليها بألفاظ وعبارات جارحة ومهينة، محتقراً إيّاها ومستهزئاً بها. من هنا لنطرح مجموعة من الأسئلة:
- لماذا لا يلتزم الزوج بزوجته أو بالعكس؟
- ما هو العمر المثالي للنضوج النفسي- العاطفي؟
- هل يعتبر أمر طبيعي أنْ يعيش الزوج/ة كأنَّه عازب حتى بعد الزواج؟
- وهل مسموح للزوج/ة إهانة وجرح شريكة حياته وأنْ يستخدم العنف الجسدي- النفسي- العاطفي معها؟
الزواج- العائلة:
الزواج وتأسيس عائلة من أكثر الأمور الحياتية التي تتطلَّب إلتزاماً ومسؤوليةً ونضوجاً. فمَن يتَّخذ قرار الزواج، مبدئياً، عليه أنْ يلتزم به طوال الحياة، لذلك يحتاج الأمر إلى وقفة جادَّة قبل القيام به، فالأمر هنا يتعدّى الإنجذاب الجنسي أو الحبّ أو المصالح المشتركة التي تربط بين شخصين. لذلك على المتقدِّمين الى الزواج أنْ يعرفوا بأنَّ الزواج عهد، أو شركة حبٍّ وحياة مع الآخر، وأنَّ هذا العهد، -أو هذه الشركة- لا يمكن حلَّه حسب رغبتهما، فهو عهدٌ أبدي، على غرار عهد الله الأبدي مع البشرية، وعهد المسيح الأبدي مع الكنيسة عروسه (فرح ورجاء، العدد/48، تعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، العدد/1601).
مقوِّمات الزواج الناجح:
تقع مقوّمات الزواج الناجح تحت خانة النضوج النفسي-العاطفي؛ كالحوار والإحترام المتبادل والإلتزام بالشريك، بالإضافة إلى فهم حاجات النفس والآخر، وعدم التصرّف بعنفٍ وعدوانيَّة وغضب، مع عدم إهمال موضوع التجدُّد في العلاقة للإبتعاد عن الوقوع في الروتين والفراغ والملل.
ليس عدم إحترام الشريك والتَّعاطي معه بقلَّة إعتبار إلّا دليلاً على عدم بلوغ مستوى النضج المطلوب، ويظهر ذلك عبر التَّعاطي بطريقة مراهقة مع الأمور الحياتية، كالخروج المتكرِّر، وعدم الإلتزام بالطرف الآخر. وليست العلاقات الجنسيَّة الجانبية خارج الزواج دليل إنفتاح وحرّية كما يظنّ البعض ويدَّعي، بل هي ضعف ومؤشِّر إلى حاجة شخصيَّة لتطوير الذات والرقيّ للوصول إلى القدرة على الأمانة والإلتزام.
أمّا العنف الزوجي فهو عنوان آخر لعدم النضوج وعدم التأهُّل والجهوزيّة للزواج، فالزوج الذي يهين شريكته من خلال الكلام الجارح أو الضرب أو حتى الكلام عنها بالسوء في غيابها، ليس زوجاً مميّزاً كما يعتقد، ولا يتمتَّع بقوة خارقة للقيام بذلك، بل هو يفتقر للحنكة والذكاء والمرونة في التعامل والتعاطي مع الآخر.
صعوبات الحياة الزوجيَّة:
الزواج هو حياة مشتركة يسعد الزوجان فيها ويمرحان معاً. لكن، غالباً ما يستسلم الزوجان للصعوبات التي تعترضهما في الحياة المشترَكة من أمراض ومشكلات إقتصادية وإجتماعية، فيعيشان بعيداً عن كلِّ ما ينعش علاقتهما، وهذا ما يحوِّل البيت الزوجي إلى مكانٍ للصمت والخمول، يشبه منتجعاً لتناول الطعام والنوم، كشخصين غريبين. وفي هذه الحال، تتزايد الأسرار، ويتكاثر الدخلاء على حياة كلِّ منهما، سعياً لا واعياً لإيجاد الإهتمام والعطف والحبّ المفقود.
أهميَّة الحوار بين الزوجين:
إنَّ للحوار والقدرة على التواصل والتعبير دور أساسي في إنجاح العلاقات بين البشر كافة، فكيف بالحريّ بين الزوجين، حيث لا يقتصر الحوار على الكلام والأحاديث فقط، بل يتخطّاه إلى النظرات وحركات الجسد وحتى العلاقة الحميمة. فغياب التَّواصل بين إثنين ينعكس سلباً على جميع أصعدة حياتهما الزوجيَّة.
المهمّ بمكان هو أنَّ نتائج عدم النضوج النفسي والعاطفي لدى الزوجين، أو أحدهما لا تنحصر بهما فقط، بل تصيب الأبناء والأهل والأصدقاء، ومَن يحتكّان بهما في مجالات العمل والدراسة؛ وبالتالي لا بدّ لهما من العمل على تحسين وتصحيح نوعيَّة العلاقة ما دام الأمر ممكناً وفي بداياته، منعاً لحدوث الأسوأ.
ينعكس الفقر في الإختبارات الحياتية، أو قلَّتها، والزواج المبكر، والبيئة المتصلِّبة ونمط الشخصيّات التي تعاني من الحدّة في التَّعاطي والسلبية، على الحياة المشترَكة بشكلٍ مؤذٍ ومدمِّر، لذا لا بأس بالتوجُّه إلى عيادة إختصاصي نفسي بشؤون الأزواج لطلب المشورة قبل إتِّخاذ قرار الإنفصال النهائي.
“إنَّ تهذيب العاطفة والغريزة هو ضروريّ، ولتحقيق هذه الغاية يتوجَّب في بعض الأحيان وضع بعض الحدود. الإفراط، وعدم وجود الرقابة، وهاجس الاستحواذ تجاه نوع واحد من المتعة، كلُّ هذا يؤدّي الى إهلاك هذه المتعة، وإلى إلحاق الضرر بالحياة العائلية. في الواقع، إنَّه من الممكن القيام بمسيرة جميلة مع المشاعر، ممّا يعني توجيهها بشكلٍ دائم نحو مشروع وهب الذات، وملء تحقيقها الذي يُغني العلاقات بين الأفراد ضمن العائلة. وهذا لا يعني التَّخلّي عن لحظات بهجة شديدة، إنَّما عيشها محبوكة مع لحظات أخرى من التفاني، ومن الرجاء الصبور، ومن التَّعب الذي لا مفرّ منه، ومن المجهود بهدف بلوغ المثالية. الحياة العائليَّة هي كلّ هذه الأمور، وتستحقّ أنْ تُعاش بملئها”. (البابا فرنسيس، فرح الحب، العدد/148). |