القيم الإجتماعية في المسيحية

المطران حبيب هرمز

من ندوة اخوية المحبة الكاريتاس في كنيسة سيدة البشارة الكلدانية الطويسة بصرة يوم الجمعة 4 آب2023

( قول الحقيقة (الصدق)، الإيثار في الحياة اليومية، الكرم في العلاقة، الحياء والعفة، التعاون والتضامن، التكافل الإجتماعي، التضحية في حياتنا اليومية

)شكر خاص للدكتور رئيس جامعة النفط والغاز والشيخ مازن نايف (رئيس الطائفة الصابئية المندائية والشيخ عباس الفضلي وممثلوا منظمات المجتمع المدني)

لكل حضارة لب يتكون من قيمها. وهكذا المجتمع له قيم. والقيم من قيمة اي اعطاء اهمية للشيء. والقيم قد تكون علمانية او سماوية. قد تكون اجتماعية او ادبية او اخلاقية. ولكل قيمة ما يضاددها مثلا للصدق هناك الكذب. للإيثار هناك الأنانية، للكرم هناك البخل وهكذا. في المسيحية المحبة هي من اهم القيم وكذلك الخدمة والتضحية والتواضع وغيرها. وكذلك هناك قيم اجتماعية في الإسلام والصابئية وبقية الأديان. القيم الإجتماعية هي نتيجة نشوء الجماعات البشرية منذ الاف السنين ثم تسامت بها السماويات. دعوتنا اليوم هو الفات الفكر الى اهميتها بعد ان طواها النسيان الى حد ما. نحن نعيش في جو من الحياة المادية حيث كثيرا ما يربط الجهد البشري بالنقود ولكن ليس بها وحدها يحيا الإنسان فهناك المحبة التي تربطنا بالله الخالق. وهذه تعلمنا ان نعطي قيمة لكل شيء ومنها لنشاطاتنا الإنسانية. وتتفق معظم الديانات والعلوم الأدبية والفلسفية الأخلاقية والتربوية على اهمية القيم في حياة الفرد والمجتمع. ومن هذه القيم المشتركة العامة ما يخص العلاقات الإجتماعية حيث يفعل جوهر الأفراد وكيانهم ليحيوا على صورة الله ومثاله. لذلك اخترنا هذا الموضوع المهم كعنوان لندوتنا ونحتاج الى من ينورنا حول ذلك خصوصا في الإسلام حيث معظم اهل البصرة منهم.

نشكر الله على وجود اشخاص لازالوا يلتزمون بالصدق وسط وسائل التواصل المملوءة بالأخبار الملفقة، نشكر من يضحي لأجل اخيه الإنسان، نشكر من يؤمن ويعيش الكرم العراقي الجميل، نشكر من يدعو الى التعاون مع الآخرين والعمل الجماعي. نشكر من لازال لديه حياء ويستنكر الأباحية واستعباد النساء.

القيم الإجتماعية في المسيحيةعملت الكنيسة منذ القرن الأول للميلاد على التعريف وتنمية القيم لدى المسيحيين خصوصا ومن حولهم من الأمميين عموما. ويكفي ان تقتدي بالمسيح له المجد حيث كرس حياته لعيش هذه القيم. هو اهتم في اقواله واعماله على اعلاء شأن الصدق واعتبر الشيطان كذاب وابو الكذابين. اعتبر الصدق شرطا جوهريا في بناء البيت والعائلة ومن ثم المجتمع والا ينقسم على نفسه وينهار. الصدق لديه اشبه ببناء البيت على الصخرة وعكسه على الرمل. نذكر صدق النبي يوحنا الذي استشهد دفاعا عن قول الحقيقة.

الإيثار: كان يسوع مبادرا في شفاء عدد لا يحصى من العميان والعرج والمشلولين فكان يسير في البلاد المقدسة وليس له مكان او مسكن يضع عليه راسه هذا هو الإيثار عندما تدفع الخدمة لشخص وتضحي بحياتك في سبيل خير الناس. نجد في قصة حياة النبي ايليا الأرملة التي بقي لها كمية قليلة من الطحين وخبزته للنبي. ومن الأمثلة اليسوعية قصة السامري الصالح.

ويخصوص الكرم فلدينا ابينا ابراهيم وضيافته المشهورة في سفر التكوين، كرم المجوس الثلاثة باهدائهم الذهب والبخور والمر للطفل يسوع. ومثال يسوع المسيح عن صاحب العمل الذي اعطى دينار دينار لعماله حتى الذين جاؤوا في ساعة العمل الأخيرة. وكذلك كرم المسيحيين الأوائل في ايام الإضطهادات الرومانية. يوصي مار بولس ويقول اذا جاع عدوك فاطعمه.

اما العفة او الحياء فقد تبين اهتمام المسيح بها في خطبته على الجبل (انجيل متى) وكمثال واحد نقرا ما قال: مَن نظَرَ إِلى امرأَةٍ بِشَهْوَة، زَنى بِها في قَلبِه. 29فإِذا كانت عينُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقلَعْها وأَلْقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضْوٌ مِن أَعضائِكَ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن يُلقى جَسَدُكَ كُلُّه في جَهنَّم. 30وإِذا كانت يَدُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقطَعْها وأَلْقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ خَيرٌ لكَ مِن أَن يَذهَبَ جسدُكَ كُلُّه إِلى جَهنَّم. انها قمة الحياء وصون للعائلة والمجتمع.

التعاون بين الأفراد، نحن الشرقيون ننجح في العمل الفردي ولكن في الجماعي لا، السبب؟ هو ضعف التعاون بيننا. قال المسيح في انجيل متى: مَن لَم يكُنْ معي كانَ عليَّ، ومَن لم يَجمَعْ معي كان مُبَدِّداً. نلاحظ رغبته في العمل الجماعي. وقال حتى الأرواح النجسة تتعاون لتهلك الإنسان. لذلك اخذ مثل من صيادي السمك كيف يتعاونون في تجميع السمك بعد صيده. وقد حذر من ان يكون شخص حجر عثرة. وحتى يدوم التعاون نصح بالصفح والغفران وامتلاك روح الخدمة والتواضع.كان الرب يخاطب تلاميذه بواو الجماعة تاكيدا على رغبته في الحياة الجماعية والتعاون بين افراد الجماعات البشرية.

وما غسله ارجل التلاميذ واقتسامه الخبز مع التلاميذ الا تعليم لنا للتضامن الإجتماعي والإيمان بالحياة الجماعية. ويكفي خطابه عن يوم الدينونة اهتمامه بالتضامن: “35لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، 36وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ”.اخيرا نصل الى قمة القيم وهي التضحية. ان جميع القيم مرتبطة بقيمة الهية عليا وهي المحبة. والمسيح قال ليس هناك اعظم من ان يبذل الإنسان حياته لأجل اخيه الإنسان. اولا تضحية مار يوسف الذي اراد ترك السيدة مريم العذراء لكنه ضحى بحياته لأجل المسيح. تضحية السيدة العذراء بحياتها لتخدم كلمة الله.

تساؤلات:1. كم من القيم الإجتماعية لا زالت فعالة في مجتمعنا اليوم؟2. اية قيم تجدها في خطر وما الأسباب؟ وما السبيل لزيادة الإهتمام بها؟3. هل تجد في وسائل التواصل احترام للقيم؟ 4. اية قيمة هي مهانة اكثر واية اكثر هيبة؟5. هل هناك امثلة لأشخاص عاشوا القيم الإجتماعية وضحوا من اجلها في ايامنا؟