الفن اداة ثقافية
المطران حبيب هرمز
عادة نسمع بوجود جدال بين بعض اتباع الكنائس المصلحة (لأن هي كثيرة) من جهة وبين ابناء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية من جهة اخرى بسبب اهتمام الأخيرين بوضع تماثيل او ايقونات او لوحات فنية تمثل يسوع ومريم ومار يوسف وبعض القديسين في الكنائس وساحاتها وقاعاتها.
لا ننكر ووجود مغالاة او افراط لدى البعض بحيث اضحت هي الهدف لا الرب يسوع والكتاب المقدس رغم ادعاء ذلك بدليل الجهل المتفشي في اوساطنا بالمعرفة الروحية والكتابية. هذا الذي يحصل هو بسبب طغيان العاطفة لدى الشرقيين. فهم يميلون الى الجانب الحسي اكثر من الفكري. كما ان هناك شروط لنصب رمز ديني مثلا الصلاة والصمت والتأمل وهذه ليست بالقدر الكافي. لكن البعض لفرط العاطفة يركع امام تمثال معين او ايقونة ما. صحيح هو في داخله يركع ويسجد ليسوع لأن الرب تجسد في احشاء مريم وصار انسانا مثلنا عدا الخطيئة. كما لا يمكن ابدا عمل اي تشبيه للطبيعة الإلهية لذلك التركيز على تصوير يسوع، اما الروح القدس فلا مجال سوى لرمز الحمامة او النار. ولكن لا كل من يرى شخصا راكعا يفهم هذا بل يقول ان الشخص يسجد لتمثال.
ان سبب حساسية الأخوة المصلحين (لوثريين وانجيليين) هو غيرتهم الكبيرة على الكتاب المقدس لأنهم يهتمون بحرفية تفسير الكتاب. فمثلا نقرأ في سفر تثنية الإشتراع ما يلي:
(16 لِئَلاَّ تَفسُدوا وتَصنَعوا لَكم تِمْثالاً مَنْحوتًا على شَكْلِ صورَةً ما مِن ذَكَرٍ أَو أُنْثى، فتَصنَعوا لَكم تِمْثالاً مَنْحوتًا لِشَيءٍ مِمَّا نَهاكَ عنه الرَّبُّ إِلهُكَ. )
(12 وقالَ ليَ الرَّبّ: قُمْ فانزِلْ على عَجَلِ مِن هُنا. لأَنَّه قد فَسَدَ شَعبُكَ الَّذي أخرَجتَه مِن مِصر، وِابتَعَدَ سَريعًا عنِ الطَّريق الَّتي أَوصَيته بِها وصَنعَ لَي تِمْثالاً مَسْبوكًا.) (مَلْعونٌ الرَّجُلُ الَّذي يَصنعُ تِمْثالاً أَو صورةً مَسْبوكةً- قَبيحةً لَدى الرَّبّ!- صُنعَ يَدِ النَّحَّات، ويَضَعُه في الخَفاء) وغيرها من الآيات التي كتبت قبل الميلاد بقرون.
آنذاك كانت هناك اضافة الى عبادة اله ابراهيم، هناك عبادة اصنام واهمها بعل. وتلك لا تشبه ما يتعصب لأجله الإنجيليون لا من قريب ولا من بعيد. فالمسيحيون كلهم يقرون بالإيمان الواحد : نؤمن باله واحد الآب ضابط الكل….
وهنا نشير الى مشكلة الإيقونات التي كانت سبب حرب الإيقونات في القرن السابع الميلادي في المملكة البيزنطية. كما ان المسلمين لا يقبلون لا التمثال ولا غيره عدا الأخوة الشيعة الذين نجد عندهم لوحات رمزية مثلا للإمام علي. لذلك ما يقومون به صناع الفن والثقافة يفترض ان يكون موضوعا ثقافيا بحت لا تجاري كما نرى حاليا.
جدير الذكر ان الشخص مرتبط بثلاثة ابعاد في حياته: الإيمان والتدين والثقافة. ولا يمكنه فصل احداهما عن اخرى. كما ان لتفسير الآيات ثلاثة مستويات: حرفي ورمزي وروحي اي من الممكن ان يكون التمثال هو المال وكم يعبدون المال اليوم او الجنس او عبادة الجسد كما نرى هذه السنوات.
هذه بعض الفقرات من كتاب التعليم المسيحي الكاثوليكي عن الموضوع رغم عدم تطرقه الى ظاهرة تجسيد الشخص:
الصورة المقدسة، والإيقونة الليترجية تمثّل المسيح خصوصاُ، ولا يجوز أن تمثّل الله الذي لا يُرى ولا يُدرك. إنَّ ابن الله هو الذي افتتح بتجسّده”نهجاً” جديداً في استعمال الصور :
“لم يكن ممكناً على الاطلاق قديماً ان يمثّلَ بالصورة الله المنزّه عن الجسد والشكل. ولكن وقد ظهر لنا اليوم في الجسد وعاش مع الناس، يجوز لي أن ارسم صورة ما رأيت من الله. فنحن نعاين مجد الرب بوجهه المكشوف”. (الفقرة 1159)
الايقونوغرافيّة المسيحية تنقل، بالصورة، الرسالة الانجيلية التي ينقلها الكتاب المقدّس بالكلمة. الصورة والكلمة تستنير أحداهما بالأخرى :
“لكي نعلن إيماننا ملخصّاً، نحتفظ بكلّ تقاليد الكنيسة المدوّنة وغير المدوّنة التي سُلِّمت إلينا بلا تحوير. منها تمثيل الصور بالرسم، وهو يتماشى مع كرازة التاريخ الإنجيلي. ونعتقد أنّ الله الكلمة قد تأنّس حقّا، لا في الظاهر، وهذا يعود علينا بذات النفع وذات الفائدة، لأنّ الأشياء التي يستنير بعضها ببعض لها، بلا مراء، مغزى متبادل”. (فقرة 1160)
جميع علامات الاحتفال الليترجيّ لها صلة بالمسيح: كذلك الصور المقدّسة لوالدة الإله القديسة وصور القديسين لها هي أيضاً علاقة به، وترمز إلى المسيح الممجّد فيهم. بها تتجلّى”سحابة الشهود”(عب 12 : 1) الذين لا يزالون يشتركون في خلاص العالم، ونحن متّحدون بها ولاسيّما في الاحتفال بالأسرار. هو الإنسان يتجلّى لإيماننا من خلال الأيقونة، الإنسان المخلوق”على مثاله”، بل هم الملائكة أيضاً وقد تجدّدوا هم أيضاً في المسيح :
“بموجب العقيدة الموحاة إلهيّاً لدى آبائنا القدّيسين وتقليد الكنيسة الكاثوليكية الذي نعرف أنه تقليد الروح القدس الساكن فيها، لقد حدّدنا بكلّ يقين وحق، أنَّ الصور المقدّسة وكذلك رسوم الصليب الكريم المحيي، أيّاً كانت طريقة رسمها، بالفسيفساء أو بأيّ مادة أخرى، يجب أن توضع في كنائس الله المقدّسة، وعلى الأواني والحلل المقدّسة، وعلى الجدران واللوحات، في البيوت وفي الطريق، سواء صورة ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، أم صور سيّدتنا الفائقة الطهارة والقداسة والدة الإله وصور جميع الأبرار والقدّيسين”. (1161)
”جمال الصور وألوانها تحفز صلاتي. إنّها عيد لِعيْنيَّ كما أنّ مشهد الريف يدفع قلبي إلى تسبيح الله”. مشاهدة الأيقونات المقدّسة، المقرونة بتأمّل كلمة الله وترنيم الأناشيد الليترجيّة، تنسجم مع رموز الاحتفال فينطبع السرّ المحتفَل به في ذاكرة القلب وينعكس بعدئذ في حياة المؤمنين الجديدة. (1162). هذا اضافة الى ما كتبه البابوات عبر القرون عن الفن المقدس.