الختان والوشم في الشرق الأوسط وختان يسوع المسيح في اليوم الثامن

المطران حبيب هرمز

30/12/2023

مقدمة

عادة عند توضيح حدث في حياة المسيحيين علينا العودة الى الوراء لأن ديانتنا واقعية متطورة فإلهنا هو اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب اي اله اشخاص وشعب محبوب لأنه الله احبه واراد ان يبلغ رسالة حبه للبشر.

لدينا احداث خلال 1800 سنة نسميها تاريخ الخلاص من ابينا ابراهيم الى قيامة يسوع. لذلك ساوضح معلومات حضارية عن الختان اولا ثم حسب الديانة اليهودية واخيرا المسيحية.

الختان لدى الشعوب القديمة في الشرق الأوسط

كانت عادة قطع الغرلة سائدة لدى العديد من الشعوب مثل العبرانيين والعرب والموآبيين والعمونيين والأدوميين والمصريين، لكنها لم تكن معروفة عند الأشوريين والبابليين. وكان يطلق وصف “الغلف” على غير المختونين.  اضافة الى السبب السحري القديم ثم الإجتماعي لدى بني اسرائيل لكن حسب المؤرخ هيرودوت عند كلامه عن الختان عند قدماء المصريين قال أن الدافع إليه كان صحياً. احيانا كان الختان في الوثنية طقساً للاحتفال بوصول الشخص إلى مرحلة البلوغ، ومنحه الحق في الزواج.  وكان الختان ايضا عملية مقدسة كشرط لصحة أي عهد بين القبائل أو اشخاص او بين الأشخاص والإله. فسابقا كان يقدم اول طفل قربان للآلهة ثم استعيض عنه بقطع لحم بسيط كي يجري الدم فتنشأ بين الإله وبين القبيلة رابطة مقدسة.

اذا لأنه كانت عادة تقديم الذبائح البشرية في طريقها إلى الانقراض، فالتضحية بجزء من جسد الشخص كان يعتبر تقدمة أو ذبيحة بديلة لإله تلك العائلة بدلا من ذبح الطفل. علما ان عادة ذبح الطفل كانت تحصل حتى في ايام بعض الملوك من بني اسرائيل الذين تأثروا بعادات الكنعانيين (طالع حياة الملك آخاب وزوجته ايزابل في سفر الملوك وصراع النبي ايليا معهم في القرن 9 قبل الميلاد).

لقد اعتمد اليوم الثامن للختان لأن البابليين قسموا الشهر القمري الى اربعة اسابيع حسب شكل القمر. والعمل في اور وبابل وبقية مدن الحضارة جنوب العراق كان ستة ايام والسابع عطلة للإحتفال باله القمر (عشتار) خصوصا فوق زقورة اور.  فاليوم الثامن حسب البابليين هو يوم الحياة بعد الموت لأن لا وجود له في التقويم القمري ولا الشمسي فيما بعد، لذلك اعتبر يوم الحياة الخالدة. وفي التقويم الميلادي هو يوم معناه سماوي. لذلك ظهرت النجمة الثمانية رمز الملوكية والآلهة في نفس الوقت في بابل، وحيث كان الملك البابلي يعتبر نفسه مكون من نصفين الهي وانساني وقبله كلكامش ايضا.

الوشم والختان في اسفار العهد القديم

كان الختان عند العبرانيين علامة قبلية كما حصل لأولاد ابراهيم لتمييزهم عن اولاد القبائل الوثنية. وقيل فيما بعد انه يمكن ان يستعاض عنه بعلامات الوشم. هذا رغم كون الأخير عمل سحري. وكان الوشم علامة القبيلة للتعارف. وبخصوص الوشم نقرأ في سفر التكوين كيف ان الله جعل على قايين بعد قتله لهابيل علامة كي لا يقتله كل من وجده (تك4: 15).

وبخصوص الختان فقد كان شرطاً أساسياً للتمتع بأية امتيازات ( راجع سفر الخروج 12: 48،حز44: 9). وقد نشأ كطقس ديني حيث هناك إشارات اخرى وردت في العهد القديم عن الختان وعن الرقم 8:  مثلا عند إقامة العهد بين الله وأبرام (حوالي 1800 قبل الميلاد) كان الختان علامة العهد لإبن ثمانية ايام (تكوين17: 7 ـ 14).

وبعد الخروج من مصر (حوالي 1200 قبل الميلاد) لم يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا (خر12: 48). ثم صار الختان لأجل يهوه (ايام موسى في القرن الثالث عشر). كما ان هناك قصة قيام صفورة، امرأة موسى، بختن ابنها (خروج 4: 24و25). ويذكر الكتاب كيف ان يشوع (القرن 12 قبل الميلاد) صنع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل القلف، ودعي اسم المكان “الجلجال” (أي الدحرجة) (يشوع 5: 1 ـ 9)

اما الوشم فيعتقد ان صاحب العمل كان ينقش وشم على يد العبد كما في إشعياء (44: 5) في القرن السادس قبل الميلاد اثناء الجلاء. ولبعث الرجاء لأن اسوار اورشليم كانت مدمرة من قبل الكلدان، قال الرب عن أورشليم على لسان النبي اشعيا:”هوذا على كفَّي نقشتك، أسوارك أمامي دائماً” (إش49: 16). ولكن الوشم لأسباب اخرى محرم في العهد القديم كما ورد في سفر اللاويين: ” لا تجرحوا أجسادكم لميت، وكتابة وشم لا تجعلوا فيكم” (لاويين 19: 28).

كما رأى النبي حزقيال ان الكهنة كانوا يخدمون المذبح في الهيكل الجديد في اليوم الثامن (سفر الخروج 43: 27).  وكان المتطهر من البرص يقدم القربان في اليوم الثامن (سفر اللاويين 14: 10) في آيات اخرى. وفي عيد التكریس يذكر رقم 8 حيث كان بنو اسرائيل  يبقون ثمانية شمعات مضاءة.

المعنى الجديد للختان

بعد الجلاء الى بابل (حسب سفر تثنية الإشتراع (587 ق.م.)) تحول المعنى الى ختان القلب عندما لاحظ الكهنة ابتعاد المجلوين عن شريعة يهوه (اي الله). وهكذا نقرأ كيف ان النبي اشعيا الثاني وارميا يؤكدان على ختان القلب لأنه هو علامة العهد لا ختان الدم، نطالع: “يختن الرب الهك قلبك وقلب نسلك كي تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك” (تث 30).

الخلاصة ان الختان في اليوم الثامن عند اليهود يعني ان الشخص يضحي بجسده ويقدمه قرباناً لله لذلك يستحق للدخول في العلاقة معه، لذلك الختان صار رمزا وهو رمز ايضا لبداية العهد الجديد.

الختان في العهد الجديد

في رسالة بطرس يذكر رقم 8 حيث يقول انه تم الخلاص لثمانية نفوس في سفينة نوح (1 بط 20:3) علما ان كون السفينة وسط مياه الطوفان هو رمز للمعمودية ايضا فمياه الطوفان رمز للموت.

في المسيحية صار الختان ظلاً والمعمودية هي الحقيقة. الختان كان للذكر فقط اما المعمودية فللكل. وجاء بولس الرسول ليقول في رسالته الى رومية حول الختان ما معناه ان اليهودي الذي يهتم بالختان الظاهر باللحم ليس شرطا هو يهودي حقيقي حسب مشيئة الله، ولكن الأهم هو ختان القلب بالروح.

لذلك احتفالنا بيوم الختانة (رأس السنة الميلادية) هو احتفال بتكريس قلوبنا للمسيح. اذن الختان هدفه تكريس القلب كرمز لمركز شخصية المسيحي للمسيح، فلا داعي للختان الجسدي كاليهود.

ختاما

كيف نختن اليوم قلوبنا؟  اولا،  من خلال سعينا نحو السلام حسب تعليم الرب، وقد اعتاد البابوات ارسال رسائل في يوم الختانة اي رأس السنة حيث تم تكريسه يوم السلام العالمي. ثانيا، من خلال سعينا لإكتشاف الحقيقة، لا تخيل اننا نملكها، ثالثا، من خلال توخينا العدالة في التعامل مع الآخرين، رابعا، من خلال رؤية الجمال الذي يخلق فينا شفافية العلاقة مع الآخر المطعمة بطعم المحبة وهكذا نحظى بختان حقيقي كما يريده المسيح.

كل عام وانتم بخير