حركة العصر الجديد The New Age
الاب حبيب هرمز
المقال منشور في مجلة نجم المشرق العدد 28 سنة 2001
من بين علامات الازمة اليوم حركة العصر الجديد التي كثيرا ما تغزونا بصورة مبطنة وخفية وغير معلنة رسميا وتحت اوجه متعددة تمس حياتنا بكل ابعادها وعبر وسائل الاعلام المختلفة. لقد رافق انتشار هذه المؤثرات ذكاء المخططين لها الذين يقفون خلف الكواليس وسرعة اعلامهم واستغلالهم نقاط ضعف الشخص كي يدخلوا الى فكره ووعيه ويجعلوه مستسلماً لهم. ويكفي لنا ان نسرد بعض الادلة الملموسة على هذه الظهرة :-
1- افلام الصور المتحركة التي تحمل من يبن شخصياتها على : (الاشباح مثل شخصية كاسبر، وبوكي مون)، والتي تعلم الطفل الاعتماد على الآخر لا وجود له في الواقع، وانهم – اي الاطفال – يمتلكون ولا يحتاجون الى آخر، فتنشر تعاليم سوبرمانيه لترسيخ مباديء الحضارة المادية البحتة والتي اماتت الكثير من القيم الروحية، وحرضت على الفردية والانعزالية .
2- صور الكائنات الخرافية والعبارات المشجعة لها على ملابس والعاب الاطفال والاقلام والدفاتر واقداح الشاي (مثل الابراج، وبيكاتشو وغيره من الابطال الذين يولدون بين فترة واخرى مثل مخيلة هؤلاء المخططين، اذ نحتاج الى قاموس للتعرف عليهم !!! ) .
3- افلام الخيال غير العلمي، التي تحاول ادخال شخصيات او كائنات وهمية من كواكب اخرى (مثل الغوا، الاله رع وغيره )، والتي تؤدي دوراً فعالاً في مصير شعوب الكرة الارضية .
4- ادخال فكرة تناسخ الارواح الآلي حامل الروح، والسحرة في واقع الحياة اليومية، اذ يوجد في العالم اليوم اكثر من 70 مليون شخص يتعاطى السحر وملحقاته .
5- انتاج الافلام المخربة للعقيدة والتربية والايمان المسيحي باهتمامها بالمسيح الدجال وعملائه على الارض ؟!! وافلام الكوارث، وتغليبها افعال القلب على مصادر الافعال البشرية الاخرى كالعقل وثماره، واعتمادها على بعض آيات الكتاب المقدس (في سفر الرؤيا، دانيال،…) حصراً .
6- الدعاية الاعلامية للميثولوجيا القديمة والاساطير لاحيائها بين الناس لاجل التشويش على نظم التربية والتثقيف، وتبنى الممارسات الروحية الهندوسية (اليوغا YOGA)، والبوذية (الزين ZEN) – الزين مدرسة بوذية(1) وما شابهها باستقلالية واضحة عن الروحانية المسيحية كي تخدم اهدافها، وممارسات التاروت TAROT اي بطاقات الحظ، وتسخير القنوات الاعلامية لذلك .
اضافة الى ذلك، هناك اليوم من يدعي انه المسيح امثال : “سن مايونج موون Sun Myung Moon والمهراجا جي “Mahraj ji .
لقد استغل الواقفون خلف هذه الظاهرة، في الولايات المتحدة واوربا وشرق اسيا، للمعطيات النفسية :التخاطر، والعلمية: التقدم العلمي، والدينية : الامور المتعلقة بما وراء الحياة، والسحرية : دعم قدرة الانسان المستقلة عن الله ؛في هذه النتاجات التي تغزونا، فنلاحظ من خلال معايشتنا الظاهرة انتشار العادات الجديدة المؤثرة في وعي اتباعها واستغلال اهتمام البعض بالابراج . اذ يدعون ان عصر برج السمكة قد انتهى – يقصدون بالسمكة انها رمز للمسيح لان اسمها اذ كتب بحروف يونانية (ايكتيس) فانه مختصر الاقرار بالايمان المسيحي: يسوع المسيح ابن الله المخلص Ice Jesous Christos Theon Yios Soter (I.X.O.Y.E.) – ولان بدأ عصر الدلو. لذا نظموا القداس الاسود الخاص باحضار الشيطان !
ان ذلك كله يتم اليوم على حساب التوجه نحو ينابيع الايمان والحياة والعمل المقدس لاجل بناء الانسان الحقيقي المخلوق على صورة الله حامل قيم الخير والمحبة والجمال، والمدعو الى ان يعرف مخلصه وخالقه ومبدأ حياته ووجوده والتاكيد على العائلة كقيمة من اغلى القيم الانسانية. العائلة تتحمل مسؤولية خطيرة في تريبة الانسان. وهكذا يخسر الملايين الصغار والكبار الوقت والمال والجهد، ويضيعون ثماراً كثيرة يمكن ان يجدوها اذا ادركوا بعمق ما يجري حولهم. هنا اصبح من الضروري الرجوع الى جذور الحالة، واقتراح البدائل لخدمة المجتمع، وخصوصاً ان نزيف الهجرة المؤلم يتطلب جهوداً للكشف ما يجري في بعض بقاع العالم من مواقف مغايرة كلياً. وذلك لما تعود عليه في مجتمعه الشرقي من طرق عيش الايمان، ومحاولة الكشف عن بعض المنحرفين، وخدمة الاخوة المهاجرين .
الجذور يسعى الانسان منذ الاف السنين الى تجاوز الواقع، ربما لاجل الهروب منه او رغبة في اكتشاف المجهول والخلود بعد الموت، او حبة للمغامرة …الخ وكلهم لاجل عيش العصر الجديد هذا المصطلح الحالم والشبيه باحلام اليقضة. لذا فالرغبة في معايشة العصر الجديد ترافق نمو الوعي الانساني، لانها تشير الى فكر انساني يسعى الى كشف الغيب والعيش بفردية وحتى ان كانت بجماعية فانها تتمتع بانانية متسلطة على الاخر، مستعينة بقوى غير طبيعية. فقد عاش الانسان القديم مستخدما السحر، مستفيدا من قدراته الذاتية لاجل الايحاء الذاتي والتبرير المقنع، الذي يلقيه في وهم لذيذ.
هناك اعتقاد في الفكر الهندي ان الكون هو بيضة فيها سماوات عديدة، وتتضمن الجهنم ايضا حيث الهند في مركز البيضة. وهذا الكون سيتحطم بالنار والفيضان ويبدأ عصر ذهبي جديد حيث سيترك الروح الجسد بسبب الموت، وسيتجدد في جسد شخص اخر: اما نباتي، او حيواني، او معدني. هذا مع حصول تشابك في النشاط الذاتي الذي هدفه التخلص من الرغبات الدنيوية، وهكذا تظهر الروح عندما تتجدد في جسد شخص آخر، فيحيا العصر الجديد .
لقد اهتمت حضارات وادي الرافدين بذلك، وما ملحمة كلكامش الا مثال على ذلك اذ اعتبر الانتقال من مرحلة البداوة الى التحضر نوعاً من معايشة العصر الجديد ولكن باستخدام الرموز (كلكامش، انكيدو، نبتة الخلود، الحية …) .
وهناك اشارات في الكتاب المقدس الى الرغبة في معايشة العصر الجديد برزت بعد السبي الى بابل
سنة 597 – 538 ق.م. فكانت الاحلام الطويلة والمعقدة، وتقارير الرؤيا المستفيدة من رموز محلية وعالمية موروثة في حضارات منطقة الشرق الاوسط لاجل الكشف عن الرغبة الكامنة في عمق كيان الانسان. ومن اهم هذه الافكار الصراع بين الخير والشر، وانتصار الله على قوى الشرير (ومنها لوياثان رمز الحيوانات المتوحشة والحية والشيطان عزازيل المقيم في الاماكن الفقرة) (لاويين 16/10) والغول (اشعيا 34/14)، وازموداوس الفارسي الذي كان يقتل ازواج سارة (طوبيا 3/8، 6/14) .
ومن اسفار العهد القديم، نلاحظ ذلك في سفر ميخا، واهمها الفصول الثلاثة الاولى حيث تألم الناس نتيجة جور الغني على الفقير وفساد الكهنة وعدم الشعور بالمسؤولية وفساد الزعماء، فيتنبأ ميخا بتحطم الهيكل (3/12) وبعصر جديد يسود فيه سلام عالمي (فس 4-5) : “ويكون في آخر الايام ان جبل بيت الرب يوطد في راس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري اليه الشعوب …”، ولكم المهم لديه في ذلك الوقت كان عودة ” بقية يعقوب” (5/7) والتي هي من سلالة الملك داود (5/2-6) .
اما في العهد الجديد فقد اعتبر القديس بولس بداية العصر الجديد عندما ارسل الآب السماوي كلمته (يسوع المسيح) بعد ان اصيبت اليهودية بالشيخوخة نتيجة الخطيئة والموت، وهكذا يعلن العصر الجديد في الصليب الذي نصبه ” رؤساء هذه الدنيا” . فمعايشة العصر الجديد تتطلب: (حكمة لم يعرفها احد من رؤساء هذه الدنيا، فلو عرفوها لما صلبوا رب المجد) (1قور 3/8) . فهلكوا، فالصليب الذي اراده صالبو يسوع لاجل القضاء عليه والعيش في حلم عصرهم الجديد صار فعلاً قوة الله للعيش في العصر الجديد للمؤمنين به، لا لهم : (على ان لنا حكمة تتكلم بها بي البالغين. ولكنها حكمة ليست من هذا العالم ولا من رؤساء هذه الدنيا الزائلين.) (1قور 3/6) لقد كشف الرسول عن كون الكنيسة هي عصر جديد .
ان المعطيات الكتابية المذكورة اعلاه تشير الى فهم مختلف للعصر الجديد، فيه الرب المسيح هو الالف والياء والبداية والنهاية وبدونه لا نستطيع ان نفعل شيئاً . ومع ذلك فهي تشير الى انها – اي الدلالات الكتابية – مع الميثولوجيا الشعبية المنتشرة في ما بين حضارات المنطقة، دلالة على اهتمام مستمر لكل انسان كي يحيا العصر الجديد، او يضع حجر الاساس له بعد حين. ولكن ليس كما هو الحال اليوم، لكن ما يحصل اليوم هو استغلال سلبي، وهدام، وفوضوي، وهذه ما سنتابع شرحه على صفحات المجلة في العدد القادم .